الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن ***
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَأَلَّفَ فِي تَوْجِيهِ مَا خَالَفَ قَوَاعِدَ الْخَطِّ مِنْهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرَاكِشِيُّ كِتَابًا سَمَّاهُ عُنْوَانُ الدَّلِيلِ فِي مَرْسُومِ خَطِّ التَّنْزِيلِ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْرُفَ إِنَّمَا اخْتُلِفَ حَالُهَا فِي الْخَطِّ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ مَعَانِي كَلِمَاتِهَا. وَسَأُشِيرُ هُنَا إِلَى مَقَاصِدِ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ بِسَنَدِهِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَالسُّرْيَانِيَّ وَالْكُتُبَ كُلَّهَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِمِائَةٍ، كَتَبَهَا فِي الطِّينِ، ثُمَّ طَبَخَهُ، فَلَمَّا أَصَابَ الْأَرْضَ الْغَرَقُ أَصَابَ كُلُّ قَوْمٍ كِتَابَهُمْ فَكَتَبُوهُ، فَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَصَابَ كِتَابَ الْعَرَبِ. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ إِسْمَاعِيلُ، وَضَعَ الْكِتَابَ عَلَى لَفْظِهِ وَمَنْطِقِهِ، ثُمَّ جَعَلَهُ كِتَابًا وَاحِدًا مِثْلَ الْمَوْصُولِ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُ وَلَدُهُ. يَعْنِي أَنَّهُ وَصَلَ فِيهِ جَمِيعَ الْكَلِمَاتِ، لَيْسَ بَيْنَ الْحُرُوفِ فَرْقٌ هَكَذَا: (بِسْمِلَّلهِلرَّحْمَنِرَّحِيمِ) ثُمَّ فَرَّقَهُ مِنْ بَنِيهِ هُمَسْعُ وَقَيْذَرُ. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ أَبُو جَادٍ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الَّذِي نَقُولُهُ: إِنَّ الْخَطَّ تَوْقِيفِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [الْعَلَق: 4، 5]. وَقَالَ: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [الْقَلَم: 1]. وَإِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي أَمْرِ أَبِي جَادٍ وَمُبْتَدَأِ الْكِتَابَةِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهَا وَقَدْ بَسَطْتُهَا فِي تَأْلِيفٍ مُفْرَدٍ.
الْقَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ يُكْتَبُ بِحُرُوفٍ هِجَائِيَّةٍ مَعَ مُرَاعَاةِ الِابْتِدَاءِ بِهِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَهَّدَ النُّحَاةُ أُصُولًا وَقَوَاعِدَ، وَقَدْ خَالَفَهَا فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ خَطُّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يُكْتَبُ الْمُصْحَفُ عَلَى مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنَ الْهِجَاءِ، فَقَالَ: لَا إِلَّا عَلَى الْكَتْبَةِ الْأُولَى. رَوَاهُ الدَّانِيُّ فِي الْمُقْنِعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْحُرُوفِ فِي الْقُرْآنِ مِثْلَ الْوَاوِ وَالْأَلِفِ، أَتُرَى أَنْ يُغَيَّرَ فِي الْمُصْحَفِ إِذَا وُجِدَ فِيهِ كَذَلِكَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: يَعْنِي الْوَاوَ وَالْأَلِفَ الْمَزِيدَتَيْنِ فِي الرَّسْمِ الْمَعْدُومَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ نَحْوَ: (أُولُوا) وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَحْرُمُ مُخَالِفَةُ مُصْحَفِ عُثْمَانَ فِي وَاوٍ أَوْ يَاءٍ أَوْ أَلْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَان: مَنْ يَكْتُبُ مُصْحَفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْهِجَاءِ الَّذِي كَتَبُوا بِهِ تِلْكَ الْمَصَاحِفَ، وَلَا يُخَالِفُهُمْ فِيهِ، وَلَا يُغَيِّرُ مِمَّا كَتَبُوهُ شَيْئًا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ عِلْمًا، وَأَصْدَقَ قَلْبًا وَلِسَانًا، وَأَعْظَمَ أَمَانَةً مِنَّا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ بِأَنْفُسِنَا اسْتِدْرَاكًا عَلَيْهِمْ. قُلْتُ: وَسَنَحْصُرُ أَمْرَ الرَّسْمِ فِي: الْحَذْفِ، وَالزِّيَادَةِ، وَالْهَمْزِ، وَالْبَدَلِ، وَالْوَصْلِ، وَالْفَصْلِ، وَمَا فِيهِ قِرَاءَتَانِ فَكُتِبَ عَلَى إِحْدَاهُمَا.
تُحْذَفُ الْأَلِفُ مِنْ يَاءِ النِّدَاءِ نَحْوَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، يَا آدَمُ، يَا رَبِّ، يَا عِبَادِي. وَهَاءُ التَّنْبِيهِ نَحْوَ: هَؤُلَاءِ، هَا أَنْتُمْ. وَنَا مَعَ ضَمِيرٍ نَحْوَ أَنْجَيْنَاكُمْ آتَيْنَاهُ وَمِنْ ذَلِكَ وَفَأُولَئِكَ وَأَهْلَكْنَاهَا وَتَبَارَكَ. وَفُرُوعُ الْأَرْبَعَة: وَاللَّهِ وَإِلَهٍ كَيْفَ وَقَعَ، وَبِالرَّحْمَنِ وَسُبْحَانَ كَيْفَ وَقَعَ، إِلَّا: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} [الْإِسْرَاء: 93]. وَبَعْدَ لَامٍ نَحْوَ: {خَلَائِفَ} [الْأَنْعَام: 165]. {خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التَّوْبَة: 81]. {سَلَامٌ} [الْأَنْعَام: 54]. غُلَامٌ [آلِ عِمْرَانَ: 40]. {لِإِيلَافِ} [قُرَيْشٍ: 1]. {يُلَاقُوا} [الزُّخْرُف: 83]. وَبَيْنَ لَامَيْنِ نَحْوَ: {الْكَلَالَةِ} [النِّسَاء: 176]. {الضَّلَالَةَ} [الْبَقَرَة: 16]. {خِلَالَ الدِّيَارِ} [الْإِسْرَاء: 5]. {لِلَّذِي بِبَكَّةَ} [آلِ عِمْرَانَ: 96]. وَمِنْ كُلِّ عَلَمٍ زَائِدٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ: كَإِبْرَاهِيمَ، وَصَالِحٍ، وَمِيكَائِيلَ، إِلَّا جَالُوتَ وَطَالُوتَ، وَهَامَانَ، وَيَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ، وَدَاوُدَ، لِحَذْفِ وَاوِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِحَذْفِ يَائِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَقَارُونَ. وَمِنْ كُلِّ مُثَنَّى اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ إِنْ لَمْ يَتَطَرَّفْ نَحْوَ: {رَجُلَانِ} [الْمَائِدَة: 23]. يَعْلَمَانِ [الْبَقَرَة: 102]. {أَضَلَّانَا} [فُصِّلَتْ: 29]. {إِنْ هَذَانِ} [طَهَ: 63]. إَلَّا {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الْحَجّ: 10]. وَمِنْ كُلِّ جَمْعِ تَصْحِيحٍ لِمُذَكَّرٍ أَوْ مُؤَنَّثٍ نَحْوَ: اللَّاعِنُونَ [الْبَقَرَة: 159]. {مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [الْبَقَرَة: 46]. إِلَّا {طَاغُونَ} فِي الذَّارِيَاتِ [53]. [وَالطُّور: 32] وَ{كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الِانْفِطَار: 11]. وَإِلَّا رَوْضَاتٍ فِي الشُّورَى [22]. وَ{آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يُوسُفَ: 7]. وَ{مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} وَ{آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} فِي يُونُسَ [21، 15]. وَإِلَّا إِنْ تَلَاهَا هَمْزَةٌ نَحْوَ: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الْأَحْزَاب: 35]. أَوْ تَشْدِيدٌ نَحْوَ: {الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَة: 7]. {وَالصَّافَّاتِ} [الصَّافَّات: 1]. فَإِنْ كَانَ فِي الْكَلِمَةِ أَلِفٌ ثَانِيَةٌ حُذِفَتْ أَيْضًا، إِلَّا {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} مِنْ فُصِّلَتْ [12]. وَمِنْ كُلِّ جَمْعٍ عَلَى مَفَاعِلَ أَوْ شِبْهِهِ نَحْوَ: الْمَسَاجِدِ [الْبَقَرَة: 114]. وَمَسَاكِنِ [التَّوْبَة: 24]. وَالْيَتَامَى [الْبَقَرَة: 83]. وَالنَّصَارَى [الْبَقَرَة: 62]. وَالْمَسَاكِينِ [الْبَقَرَة: 83]. وَالْخَبَائِثِ [الْأَنْبِيَاء: 74]. وَالْمَلَائِكَةِ [الْبَقَرَة: 31]. وَالثَّانِيَةُ مِنْ خَطَايَانَا [طَهَ: 73]. كَيْفَ وَقَعَ. وَمِنْ كُلِّ عَدَدٍ كَثَلَاثٍ وَثُلَاثَ، وَسَاحِرٍ [الْأَعْرَاف: 112]. كَيْفَ وَقَعَ إِلَّا فِي آخِرِ الذَّارِيَاتِ. فَإِنْ ثُنِّيَ فَأَلِفَاهُ وَالْقِيَامَةَ [النِّسَاء: 87]. وَالشَّيْطَانَ [الْأَنْعَام: 68]. وَسُلْطَانًا [سَبَأٍ: 21]. وَفَتَعَالَى وَاللَّاتِي وَاللَّائِي وَخَلَاقًا وَعَالِمًا وَبِقَادِرٍ وَالْأَصْحَابَ وَالْأَنْهَارَ وَالْكِتَابَ. وَمُنْكَرَ الثَّلَاثَةِ إِلَّا أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرَّعْد: 38]. {كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الْحِجْر: 4]. {كِتَابِ رَبِّكَ} فِي الْكَهْفِ [27]. وَ{كِتَابٍ مُبِينٍ} فِي النَّمْلِ [1، 75]. وَمِنَ الْبَسْمَلَةِ وَ{بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} [هُودٍ: 41]. وَمِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ مِنْ (سَأَلَ). وَمِنْ كُلِّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ نَحْوَ: آدَمَ، آخَرَ، أَأَشْفَقْتُمْ، أَأُنْذِرْتُمْ. وَمَنْ رَأَى كَيْفَ وَقَعَ، إِلَّا: {فَلَمَّا رَأَى} وَ{لَقَدْ رَأَى} فِي النَّجْمِ [11، 18]. وَإِلَّا وَنَأَى [الْإِسْرَاء: 3، فُصِّلَتْ: 51]. وَ{الْآنَ} إِلَّا: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ} [الْجِنّ: 9]. وَالْأَلِفَانِ مِنَ الْأَيْكَةِ إِلَّا فِي الْحِجْرِ [78]، وَق [14]. وَتُحْذَفُ الْيَاءُ مِنْ كُلِّ مَنْقُوصٍ مُنَوَّنٍ، رَفْعًا وَجَرًّا نَحْوَ: {بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [الْبَقَرَة: 173]. وَالْمُضَافُ لَهَا إِذَا نُودِيَ إِلَّا: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزُّمَر: 53]. {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} فِي الْعَنْكَبُوتِ [56]. أَوْ لَمْ يُنَادِ إِلَّا: {وَقُلْ لِعِبَادِي} [الْإِسْرَاء: 53]. {أَسْرِ بِعِبَادِي} فِي طَهَ [77]. {وَحَمَلَهَا} [الْأَحْزَاب: 73]. {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الْفَجْر: 29، 30]. وَمَعَ مِثْلِهَا نَحْوَ: وَلِيٍّ [الْبَقَرَة: 107]. وَ{الْحَوَارِيِينَ} [الْمَائِدَة: 111]. وَ{مُتَّكِئِينَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 18]. إِلَّا عِلِّيِّينَ [الْمُطَفِّفِينَ: 18]. وَيُهَيِّئُ [الْكَهْف: 16]. وَهَيِّئْ [الْكَهْف: 10]. وَ{الْمَكْرُ السَّيِّئُ} [فَاطِرٍ: 43]. وَسَيِّئَةً [آلِ عِمْرَانَ: 120]. وَالسَّيِّئَةُ [الْأَعْرَاف: 95]. {أَفَعَيِينَا} [ق: 15]. وَيُحْيِي [الْبَقَرَة: 73]. مَعَ ضَمِيرٍ لَا مُفْرَدًا. وَحَيْثُ وَقَعَ: وَأَطِيعُونِ فَاتَّقَوْنِ وَخَافُونِ فَارْهَبُونِ فَأَرْسَلُونِ فَاعْبُدُونِ إِلَّا فِي يس، وَاخْشَوْنِي إِلَّا فِي الْبَقَرَةِ، وَيَكِيدُونَ إِلَّا {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} [هُودٍ: 55]. وَ{فَاتَّبِعُونِي} إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ وَطه، {فَلَا تُنْظِرُونِ} [يُونُسَ: 71]. {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} [الْأَنْبِيَاء: 37]. وَ{وَلَا تَكْفُرُونَ} [الْبَقَرَة: 152]. {وَلَا تَقْرَبُونَ} [يُوسُفَ: 6]. {وَلَا تُخْزُونِ} [الْحِجْر: 69]. {فَلَا تَفْضَحُونِ} [الْحِجْر: 68]. وَيَهْدِينِ [الْكَهْف: 54]. وَسَيَهْدِينِ [الصَّافَّات: 99]. وَكَذَّبُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: 26]. يَقْتُلُونَ [الْبَقَرَة: 61]. {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الشُّعَرَاء: 12]. وَوَعِيدِ وَالْجَوَارِ وَبِالْوَادِ [النَّازِعَات: 16]. وَ{الْمُهْتَدُونَ} [الْإِسْرَاء: 97]. إِلَّا فِي الْأَعْرَافِ. وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مَعَ أُخْرَى نَحْوَ: {لَا يَسْتَوُونَ} [التَّوْبَة: 19]. فَاءُوا [الْبَقَرَة: 226]. {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ} [التَّكْوِير: 8]. {يَئُوسًا} [الْإِسْرَاء: 83]. وَتُحْذَفُ اللَّامُ مُدْغَمَةً فِي مِثْلِهَا نَحْوَ: اللَّيْلِ، وَالَّذِي، إِلَّا: اللَّهَ، وَاللَّهُمَّ، وَاللَّعْنَةَ، وَفُرُوعَهُ، وَاللَّهْوَ وَاللَّغْوَ وَاللُّؤْلُؤَ وَاللَّاتِ وَاللَّمَمَ وَاللَّهَبَ وَاللَّطِيفَ وَاللَّوَّامَةَ. فَرْعٌ فِي الْحَذْفِ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ. حَذْفُ الْأَلِفِ مِنْ {مَالِكَ الْمُلْكِ} [آلِ عِمْرَانَ: 26]. {ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} [النِّسَاء: 9]. {مُرَاغَمًا} [النِّسَاء: 100]. {خَادِعُهُمْ} [النِّسَاء: 142]. {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [الْمَائِدَة: 42]. بَالِغَ [الْمَائِدَة: 95]. {لِيُجَادِلُوكُمْ} [الْأَنْعَام: 121]. {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فِي الْأَعْرَافِ [139]، وَهُودٍ [16]. {الْمِيعَادِ} فِي الْأَنْفَالِ [42]. تُرَابًا فِي الرَّعْدِ [5]، وَالنَّمْلِ [67]، وَعَمَّ [40]. {جُذَاذًا} [الْأَنْبِيَاء: 58]. {يُسَارِعُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 114]. {أَيُّهَا الْمُؤْمِنِينَ} [النُّور: 31]. {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ} [الزُّخْرُف: 49]. {أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرَّحْمَن: 31]. {أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [الْقَصَص: 10]. {وَهَلْ نُجَازِي} [سَبَأٍ: 17]. {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} [هُودٍ: 93]. {لِلْقَاسِيَةِ} [الزُّمَر: 22]. فِي الزُّمَرِ {أَثَارَةٍ} [الْأَحْقَاف: 4]. {عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ} [الْفَتْح: 10]. {وَلَا كِذَّابًا} [النَّبَأ: 35]. وَحُذِفَتِ الْيَاءُ مِنْ {إِبْرَاهِيمَ} فِي الْبَقَرَةِ، وَ{الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [الْبَقَرَة: 186]. وَ{مَنِ اتَّبَعَنِ} [آلِ عِمْرَانَ: 20]. وَ{سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ} [النِّسَاء: 146]. {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ} [الْأَنْعَام: 80]. {نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يُونُسَ: 103]. {نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [هُودٍ: 6]. {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ} [هُودٍ: 105].} حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا} [يُوسُفَ: 66]. تُفَنِّدُونِ [يُوسُفَ: 94]. {الْمُتَعَالِ} [الرَّعْد: 9]. مَتَابِ [الرَّعْد: 30]. مَآبِ [الرَّعْد: 29، ص: 25]. عِقَابِ فِي الرَّعْدِ [32]. وَغَافِرٍ [5]. وَص [4]. {فِيهَا عَذَابٌ} [الْأَحْقَاف: 24]. {أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ} [إِبْرَاهِيمَ: 22]. {وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إِبْرَاهِيمَ: 40]. {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} [الْإِسْرَاء: 62]. {أَنْ يَهْدِينِ}، {إِنْ تَرَنِ}، {أَنْ يُؤْتِينِ}، {أَنْ تُعَلِّمَنِ}، {نَبْغِ} الْخَمْسَةُ فِي الْكَهْف: [24، 39، 40، 66، 64]. {أَلَّا تَتَّبِعَنِ} فِي طَهَ [93]. {وَالْبَادِ} [الْحَجّ: 25]. {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِي} [الْحَجّ: 54]. {أَنْ يَحْضُرُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 98]. {رَبِّ ارْجِعُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 99]. {وَلَا تُكَلِّمُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 108]. وَيَسْقِينِ [الشُّعَرَاء: 79]. يَشْفِينِ [الشُّعَرَاء: 80]. {يُحْيِينِ} [الشُّعَرَاء: 81]. {وَادِي النَّمْلِ} [النَّمْل: 18]. {أَتُمِدُّونَنِ} [النَّمْل: 36]. {فَمَا آتَانِي} [النَّمْل: 36]. {تَشْهَدُونِ} [النَّمْل: 32]. {بِهَادِي الْعُمْيِ} [النَّمْل: 81، وَالرُّوم: 53]. {كَالْجَوَابِ} [سَبَأٍ: 13]. {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ} [يس: 23]. {وَلَا يُنْقِذُونَ} [يس: 23]. {فَاسْمَعُونِ} [يس: 25]. {لَتُرْدِينِ} [الصَّافَّات: 56]، {صَالَ الْجَحِيمِ} [الصَّافَّات: 163]، {التَّلَاقِ} [غَافِرٍ: 15]. {التَّنَادِ} [غَافِرٍ: 32]. {تَرْجُمُونِ} [الدُّخَان: 20]. {فَاعْتَزَلُونِ} [الدُّخَان: 21]. {يُنَادِي الْمُنَادِي} [ق: 41]. {لِيَعْبُدُونِ} [الذَّارِيَات: 56]. {يُطْعِمُونَ} [الذَّارِيَات: 57]. {يَدْعُ الدَّاعِ} مَرَّتَيْنِ فِي الْقَمَرِ [6، 7]. {يَسْرِ} [الْفَجْر: 4]. {أَكْرَمَنِ} [الْفَجْر: 15]. {أَهَانَنِ} [الْفَجْر: 16]. {وَلِيَ دِينِ} [الْكَافِرُونَ: 6]. وَحُذِفَتِ الْوَاوُ مِنْ: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} [الْإِسْرَاء: 11]. {وَيَمْحُ اللَّهُ} فِي الشُّورَى [24]. {يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي} [الْقَمَر: 6]. {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [الْعَلَق: 18]. قَالَ الْمَرَاكِشِيُّ: وَالسِّرُّ فِي حَذْفِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى سُرْعَةِ وُقُوعِ الْفِعْلِ وَسُهُولَتِهِ عَلَى الْفَاعِلِ، وَشِدَّةِ قَبُولِ الْمُنْفَعِلِ الْمُتَأَثِّرِ بِهِ فِي الْوُجُودِ، وَأَمَّا {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ، وَيُسَارِعُ فِيهِ كَمَا يُسَارِعُ فِي الْخَيْرِ، بَلْ إِثْبَاتُ الشَّرِّ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ. وَأَمَّا {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ ذَهَابِهِ وَاضْمِحْلَالِهِ. وَأَمَّا {يَدْعُ الدَّاعِ} [الْقَمَر: 6]. فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ الدُّعَاءِ وَسُرْعَةِ إِجَابَةِ الدَّاعِينَ. وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ الْفِعْلِ، وَإِجَابَةِ الزَّبَانِيَةِ، وَشِدَّةِ الْبَطْشِ.
زِيدَتْ أَلِفٌ بَعْدَ الْوَاوِ آخِرَ اسْمٍ مَجْمُوعٍ نَحْوَ: {بَنُو إِسْرَائِيلَ}، {مُلَاقُوا رَبِّهِمْ} [الْبَقَرَة: 46]. {أُولُوا الْأَلْبَابِ} [آلِ عِمْرَانَ: 7]. بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ، نَحْو: {لَذُو عِلْمٍ} [يُوسُفَ: 68]. إِلَّا الرِّبَا [الْبَقَرَة: 275]. وَ{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النِّسَاء: 176]. وَآخِرُ فِعْلٍ مُفْرَدٍ أَوْ جَمْعٍ، مَرْفُوعٍ أَوْ مَنْصُوبٍ إِلَّا {جَاءُوكَ} [آلِ عِمْرَانَ: 184]. وَوَبَاءُوا [الْبَقَرَة: 61]. حَيْثُ وَقَعَا، وَ{وَعَتَوْا عُتُوًّا} [الْفَرْقَان: 21]. {فَإِنْ فَاءُوا} [الْبَقَرَة: 226]. {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الْحَشْر: 9]. {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} فِي النِّسَاءِ [99]. {سَعَوْا فِي آيَاتِنَا} فِي سَبَأٍ [5]. وَبَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمَرْسُومَةِ وَاوًا نَحْوَ: {تَفْتَأُ} [يُوسُفَ: 85]. وَفِي مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ [الْأَنْفَال: 66]. وَ{الظَّنُونَا} [الْأَحْزَاب: 10]. وَ{الرَّسُولَا} [الْأَحْزَاب: 66]. وَ{السَّبِيلَا} [الْأَحْزَاب: 67]. {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الْكَهْف: 23]. وَ{لَأَذْبَحَنَّهُ} [النَّمْل: 21]. {وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ} [التَّوْبَة: 47]. وَ{أَلَا إِلَى اللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 158]. وَ{لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصَّافَّات: 68]. {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ} [يُوسُفَ: 87]. {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} [الرَّعْد: 31]. وَبَيْنَ الْيَاءِ وَالْجِيمِ فِي: وَجِيءَ فِي الزُّمَرِ [69]. وَالْفَجْرِ [23]. وَكُتِبَتِ ابْنُ بِالْهَمْزَةِ مُطْلَقًا. وَزِيدَتْ يَاءٌ فِي: {نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الْأَنْعَام: 34]. وَوَمَلَئِهِ [الْأَعْرَاف: 103]. {وَمَلَئِهِمْ} [يُونُسَ: 83]. وَ{وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} فِي طه [130]. {مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يُونُسَ: 15]. {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فِي الشُّورَى [51]. وَ{إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} فِي النَّحْلِ [90]. وَ{وَعْدَهُ وَلَكِنَّ} فِي الرُّومِ [16]. {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونَ} [الْقَلَم: 6]. {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذَّارِيَات: 47]. {أَفَإِنْ مَاتَ} [آلِ عِمْرَانَ: 144]. {أَفَإِنْ مِتَّ} [الْأَنْبِيَاء: 34]. وَزِيدَتْ وَاوٌ فِي {أُولُوا الْفَضْلِ} وَفُرُوعُهُ، وَ{سَأُرِيكُمْ} [الْأَعْرَاف: 145]. قَالَ الْمَرَاكِشِيُّ: وَإِنَّمَا زِيدَتْ هَذِهِ الْأَحْرُفُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، نَحْو: {وَجِيءَ} وَنَبَأِ وَنَحْوِهِمَا لِلتَّهْوِيلِ وَالتَّفْخِيمِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، كَمَا زِيدَتْ فِي بِأَيْدٍ تَعْظِيمًا لِقُوَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي بَنَى بِهَا السَّمَاءَ، الَّتِي لَا تُشَابِهُهَا قُوَّةٌ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْعَجَائِب: كَانَتْ صُورَةُ الْفَتْحَةِ فِي الْخُطُوطِ قَبْلَ الْخَطِّ الْعَرَبِيِّ أَلِفًا، وَصُورَةُ الضَّمَّةِ وَاوًا، وَصُورَةُ الْكَسْرَةِ يَاءً، فَكُتِبَتْ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ وَنَحْوُهُ بِالْأَلْفِ مَكَانَ الْفُتْحَةِ وَوَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى بِالْيَاءِ مَكَانَ الْكَسْرَةِ وَوَأُولَئِكَ وَنَحْوُهُ بِالْوَاوِ مَكَانَ الضَّمَّةِ، لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْخَطِّ الْأَوَّلِ.
يُكْتَبُ السَّاكِنُ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلُهُ، أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا أَوْ آخِرًا نَحْوَ: ائْذَنِ [التَّوْبَة: 49]. وَاؤْتُمِنَ [الْبَقَرَة: 283]. وَ{الْبَأْسَاءِ} [الْبَقَرَة: 177]. وَاقْرَأْ وَجِئْنَاكَ [الْحِجْر: 63]. وَهَيِّئْ [الْكَهْف: 10]. وَ{وَالْمُؤْتُونَ} [النِّسَاء: 162]. وَ{تَسُؤْهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 120]. إِلَّا: {فَادَّارَأْتُمْ} [الْبَقَرَة: 72]. وَ{وَرِئْيًا} [مَرْيَمَ: 74]. وَ{لِلرُّؤْيَا} [يُوسُفَ: 43]. وَ{شَطْأَهُ} [الْفَتْح: 29]. فَحَذَفَ فِيهَا. وَكَذَا أَوَّلُ الْأَمْرِ بَعْدَ فَاءٍ، نَحْوَ: فَأَتُوا [الْبَقَرَة: 23]. أَوْ وَاوٍ نَحْوَ: {وَأْتَمِرُوا} [الطَّلَاق: 6]. وَالْمُتَحَرِّكُ إِنْ كَانَ أَوَّلًا أَوِ اتَّصَلَ بِهِ حَرْفٌ زَائِدٌ بِالْأَلْفِ مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ فَتْحًا أَوْ كَسْرًا نَحْوَ: وَأَيُّوبَ إِذَا أُولُوا الْقُرْبَى سَأَصْرِفُ [الْأَعْرَاف: 146]. فَبِأَيَّ سَأُنْزِلُ [الْأَنْعَام: 93]. إِلَّا مَوَاضِعَ: أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ [الْأَنْعَام: 19]. {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}، {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} فِي النَّمْلِ [55]. {أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} [النَّمْل: 67]. {أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا} [الصَّافَّات: 36]. أَئِنَّ لَنَا فِي الشُّعَرَاءِ [41]. أَئِذَا مِتْنَا [الْمُؤْمِنُونَ: 82]. {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس: 19]. أَئِفْكًا [الصَّافَّات: 86]. أَئِمَّةَ [التَّوْبَة: 12]. لِئَلَّا لَئِنْ يَوْمَئِذٍ حِينَئِذٍ فَتُكْتَبُ فِيهَا بِالْيَاءِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 15]. وَهَؤُلَاءِ فَتُكْتَبُ بِالْوَاوِ. وَإِنْ كَانَ وَسَطًا، فَبِحَرْفٍ حَرَّكْتَهُ نَحْوَ: سَأَلَ سُئِلَ نَقْرَؤُهُ إِلَّا جَزَاؤُهُ، الثَّلَاثَةُ فِي يُوسُفَ [74، 75]. وَلَأَمْلَأَنَّ [الْأَعْرَاف: 18]. وَ{امْتَلَأْتِ} [ق: 30]. وَ{اشْمَأَزَّتْ} [الزُّمَر: 45]. وَاطْمَأَنُّوا [يُونُسَ: 7]. فَحُذِفَ فِيهَا. وَإِلَّا إِنْ فُتِحَ وَكُسِرَ أَوْ ضُمَّ مَا قَبْلُهُ أَوْ ضُمَّ وَكُسِرَ مَا قَبْلُهُ، فَبِحَرْفِهِ نَحْوَ: بِالْخَاطِئَةِ [الْحَاقَّة: 9]. فُؤَادَكَ [هُودٍ: 120]. {سَنُقْرِئُكَ} [الْأَعْلَى: 6]. وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلُهُ سَاكِنًا حُذِفَ هُوَ نَحْوَ: يُسْأَلُ [الْأَنْبِيَاء: 23]. {لَا تَجْأَرُوا} إِلَّا النَّشْأَةَ [النَّجْم: 53]. وَ{مَوْئِلًا} فِي الْكَهْفِ [58]. فَإِنْ كَانَ أَلِفًا وَهُوَ مَفْتُوحٌ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تُحْذَفُ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ أَلِفٍ مِثْلِهَا، إِذِ الْهَمْزَةُ حِينَئِذٍ بِصُورَتِهَا نَحْوَ: أَبْنَاءَنَا [آلِ عِمْرَانَ: 61]. وَحُذِفَ مِنْهَا أَيْضًا فِي قُرْآنًا فِي يُوسُفَ [2]، وَالزُّخْرُفِ [3]. فَإِنْ ضُمَّ أَوْ كُسِرَ فَلَا، نَحْوَ: وَآبَاؤُكُمُ [النِّسَاء: 11]. آبَائِهِمُ [الْأَنْعَام: 87]. إِلَّا: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ} [الْأَنْعَام: 128].} إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} فِي الْأَنْعَامِ [121]. إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ فِي الْأَنْفَالِ [34]. {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} فِي فُصِّلَتْ [31]. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ حَرْفٌ يُجَانِسُهُ فَقَدْ سَبَقَ أَيْضًا أَنَّهُ يُحْذَفُ نَحْوَ: {شَنَآنُ} [الْمَائِدَة: 8]. {خَاسِئِينَ} [الْأَعْرَاف: 166]. {مُسْتَهْزِئُونَ} [الْبَقَرَة: 14]. وَإِنْ كَانَ آخِرًا، فَبِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلُهُ نَحْوَ: سَبَأٍ [النَّمْل: 22]. {شَاطِئِ} [الْقَصَص: 30]. وَلُؤْلُؤًا [الطُّور: 24]. إِلَّا فِي مَوَاضِعَ: {تَفْتَأُ} [يُوسُفَ: 85]. {يَتَفَيَّأُ} [النَّحْل: 48]. {أَتَوَكَّأُ} [طه: 18]. {لَا تَظْمَأُ} [طه: 119]. {مَا يَعْبَأُ} [الْفَرْقَان: 77]. يَبْدَأُ [الرُّوم: 11]. {يُنَشَّأُ} [الزُّخْرُف: 18]. {نَبَأٍ} [ص: 67]. {قَالَ الْمَلَأُ} الْأَوَّلُ فِي قَدْ أَفْلَحَ وَالثَّلَاثَةُ فِي النَّمْلِ. جَزَاءٌ فِي خَمْسَةٍ مَوَاضَعَ. اثْنَانِ فِي الْمَائِدَة: [33- 85]. وَفِي الزُّمَر: [34]. وَالشُّورَى: [40]. وَالْحَشْر: [17]. شُرَكَاءُ فِي الْأَنْعَامِ [94]، وَالشُّورَى [21]. يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ فِي الْأَنْعَامِ [5]، وَالشُّعَرَاءِ [6]. عُلَمَاءُ بَنِي [الشُّعَرَاء: 197]. {مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فَاطِرٍ: 28]. الضُّعَفَاءُ فِي إِبْرَاهِيمَ [21]، وَغَافِرٍ [47]. {فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هُودٍ: 87]. وَ{وَمَا دُعَاءُ} فِي غَافِرٍ [50]. {شُفَعَاءُ} فِي الرُّومِ [13]. {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ} [الصَّافَّات: 106]. {بَلَاءٌ مُبِينٌ} فِي الدُّخَانِ [33]. {بُرَآءُ مِنْكُمْ} [الْمُمْتَحَنَة: 4]. تُكْتَبُ فِي الْكُلِّ بِالْوَاوِ. فَإِنْ سَكَّنَ مَا قَبْلَهُ حَذَفَ هُوَ نَحْوَ: {مِلْءُ الْأَرْضِ} [آلِ عِمْرَانَ: 91]. دِفْءٌ [النَّحْل: 5]. شَيْءٍ {الْخَبْءَ} [النَّمْل: 25]. مَاءٌ إِلَّا: {لِتَنُوءَ} [الْقَصَص: 76]. وَأَنَّ تَبُوءَ [الْمَائِدَة: 29]. {وَ السَّوْأَى} [الرُّوم: 10]. كَذَا اسْتَثْنَاهُ الْفَرَّاءُ. قُلْتُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا تُسْتَثْنَى، لِأَنَّ الْأَلِفَ الَّتِي بَعْدَ الْوَاوِ لَيْسَتْ صُورَةَ الْهَمْزَةِ بَلْ هِيَ الْمَزِيدَةُ بَعْدَ وَاوِ الْفِعْلِ.
تُكْتَبُ بِالْوَاوِ لِلتَّفْخِيم: أَلِفُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَيَاةُ وَالرِّبَا غَيْرَ مُضَافَاتٍ، وَالْغَدَاةِ، وَمِشْكَاةِ، وَالنَّجَاةِ [غَافِرٍ: 41]. وَ{وَمَنَاةَ} [النَّجْم: 20]. وَبِالْيَاءِ كُلُّ أَلِفٍ مُنْقَلِبَةٍ عَنْهَا نَحْوَ: {يَتَوَفَّاكُمْ} [يُونُسَ: 104]. فِي اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ، اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرٌ أَمْ لَا، لَقِيَ سَاكِنًا أَمْ لَا، وَمِنْهُ: {يَاحَسْرَتَا} [الزُّمَر: 56]. {يَاأَسَفَى} [يُوسُفَ: 84]. إِلَّا {تَتْرَى} [الْمُؤْمِنُونَ: 44]. وَ{كِلْتَا} [الْكَهْف: 33]. وَ{هَدَانِي} [الْأَنْعَام: 161]. وَ{وَمَنْ عَصَانِي} [إِبْرَاهِيمَ: 36]. وَ{الْأَقْصَى} [الْإِسْرَاء: 1]. وَ{أَقْصَى الْمَدِينَةِ} [الْقَصَص: 20]. وَ{مَنْ تَوَلَّاهُ} [الْحَجّ: 4]. وَ{طَغَا الْمَاءُ} [الْحَاقَّة: 11]. وَ{سِيمَاهُمْ} [الْفَتْح: 29]. وَإِلَّا مَا قَبِلَهَا يَاءٌ، كَالدُّنْيَا وَ{الْحَوَايَا} [الْأَنْعَام: 146]. إِلَّا {وَيَحْيَى} اسْمًا وَفِعْلًا. وَيُكْتَبُ بِهَا إِلَى، وَعَلَى، وَأَنَّى بِمَعْنَى كَيْفَ، وَمَتَى وَبَلَى، وَحَتَّى، إِلَّا {لَدَا الْبَابِ} [يُوسُفَ: 25]. وَيَكْتُبُ بِالْأَلِفِ الثُّلَاثِيُّ الْوَاوِيُّ، اسْمًا أَوْ فِعْلًا نَحْوَ: الصَّفَا [الْبَقَرَة: 158] وَشَفَا [آلِ عِمْرَانَ: 103]. وَعَفَا [الْمَائِدَة: 95]. إِلَّا ضُحًى [الْأَعْرَاف: 98]. كَيْفَ وَقَعَ، وَ{مَا زَكَى مِنْكُمْ} [النُّور: 21]. وَ{دَحَاهَا} [النَّازِعَات: 30]. وَتَلَاهَا [الشَّمْس: 2]. وَ{طَحَاهَا} [الشَّمْس: 6]. {وَسَجَى} [الضُّحَى: 2]. وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ نُونُ التَّوْكِيدَ الْخَفِيفَة: {لَنَسْفَعًا} [الْعَلَق: 15]. {وَلَيَكُونًا} [يُوسُفَ: 32]. وَإِذًا وَبِالنُّونِ وَكَأَيِّنْ وَبِالْهَاءِ هَاءُ التَّأْنِيثِ. إِلَّا: رَحْمَتَ فِي الْبَقَرَة: [218].، وَالْأَعْرَاف: [56]. وَهُودٍ: [73]. وَمَرْيَمَ: [2]. وَالرُّوم: [50]. وَالزُّخْرُف: [32]. وَنِعْمَتَ فِي الْبَقَرَة: [231]. وَآلِ عِمْرَانَ: [103]. وَالْمَائِدَة: [11]. وَإِبْرَاهِيمَ: [28]. وَالنَّحْل: [72]. وَلُقْمَانَ: [31]. وَفَاطِرٍ: [3]. وَالطُّور: [29]. وَسُنَّتُ فِي الْأَنْفَال: [38]. وَفَاطِرٍ: [43]. وَثَانِي غَافِرٍ: [85]. وَامْرَأَتَ مَعَ زَوْجِهَا، وَ{تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} [الْأَعْرَاف: 137]. {فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 61]. {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ} [النُّور: 70]. وَ{وَمَعْصِيَتِ} فِي قَدْ سَمِعَ [8- 9]. {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} [الدُّخَان: 43]. {قُرَّةُ عَيْنٍ} [الْقَصَص: 9]. {وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الْوَاقِعَة: 89]. {بَقِيَّةُ اللَّهِ} [هُودٍ: 86]. وَ{يَاأَبَتِ} [يُوسُفَ: 4]. وَاللَّاتِ [النَّجْم: 19]. وَ{مَرْضَاةِ} [الْبَقَرَة: 207- 265، وَالنِّسَاء: 114]. وَ{هَيْهَاتَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 36]. وَذَاتِ [الْأَنْفَال: 1]. وَابْنَةَ [التَّحْرِيم: 12]. وَفِطْرَةَ [الرُّوم: 30].
تُوصَلُ (أَلَّا) بِالْفَتْحِ إِلَّا عَشَرَةً: {أَنْ لَا أَقُولَ}، {أَنْ لَا تَقُولُوا} فِي الْأَعْرَافِ. {أَنْ لَا مَلْجَأَ} فِي هُودٍ: {أَنْ لَا إِلَهَ} [هُودٍ: 14]. {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ} فِي الْأَحْقَافِ [21]. {أَنْ لَا تُشْرِكْ} فِي الْحَجِّ [26]. {أَنْ لَا تَعْبُدُوا} فِي يس [60]. {وَأَنْ لَا تَعْلُو} فِي الدُّخَان: [19]. {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ} فِي الْمُمْتَحَنَة: [12]. {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا} فِي ن: [24]. وَ (مِمَّا) إِلَّا: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ} فِي النِّسَاء: [25]. وَالرُّوم: [28]. {مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} فِي الْمُنَافِقِينَ: [10]. وَ(مِمَّنْ) مُطْلَقًا. وَ(عَمَّا) إِلَّا: {عَمَّا نُهُوا عَنْهُ} [الْأَعْرَاف: 166]. وَ(إِمَّا) بِالْكَسْرِ، إِلَّا: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} فِي الرَّعْدِ [40]. وَ(أَمَّا) بِالْفَتْحِ مُطْلَقًا. وَ(عَمَّنْ) إِلَّا: {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} فِي النُّور: [43]، {عَنْ مَنْ تَوَلَّى} فِي النَّجْمِ [29]. وَ(أَمَّنْ) إِلَّا: {أَمْ مَنْ يَكُونُ} فِي النِّسَاء: [109]. {أَمْ مَنْ أَسَّسَ} [التَّوْبَة: 109]. {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} فِي الصَّافَّات: [11]. {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا} [فُصِّلَتْ: 40]. وَ(إِلَّمْ) بِالْكَسْرِ إِلَّا: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا} فِي الْقَصَص: [50]. وَ(فِيمَا) إِلَّا أَحَدَ عَشَرَ: {فِيمَا فَعَلْنَ} الثَّانِي فِي الْبَقَرَة: [204]. {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا} فِي الْمَائِدَة: [48]. وَالْأَنْعَامُ: [165]. {قُلْ لَا أَجِدُ} [الْأَنْعَام: 145]. {فِي مَا اشْتَهَتْ} فِي الْأَنْبِيَاء: [102]. {فِي مَا أَفَضْتُمْ} [النُّور: 14]. {فِي مَا هَاهُنَا} فِي الشُّعَرَاء: [146]. {فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} فِي الرُّوم: [28]. {فِي مَا هُمْ فِيهِ}، {فِيمَا كَانُوا فِيهِ} كِلَاهُمَا فِي الزُّمَر: [3- 46]. {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} فِي الْوَاقِعَة: [61]. وَ (إِنَّمَا) إِلَّا: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} فِي الْأَنْعَام: [134]. وَ(أَنَّمَا) بِالْفَتْحِ إِلَّا: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} فِي الْحَجّ: [62]. وَلُقْمَانَ: [30]. وَ(كُلَّمَا) إِلَّا: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} [النِّسَاء: 91]. {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إِبْرَاهِيمَ: 34]. وَ(بِئْسَمَا) إِلَّا مَعَ اللَّامِ. وَ(نِعِمَّا) وَ(مَهْمَا) وَ(رُبَّمَا) وَ(كَأَنَّمَا) وَ(وَيْكَأَنَّ) وَتَقْطَعُ (حَيْثُ مَا) وَ(أَنْ لَمْ) بِالْفَتْحِ، وَ(أَنْ لَنْ) إِلَّا فِي الْكَهْفِ وَالْقِيَامَةِ. وَ(أَيْنَ مَا) إِلَّا: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} [الْبَقَرَة: 115]. {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} [النَّحْل: 76]. وَاخْتُلِفَ فِي {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ} [النِّسَاء: 78]. {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} فِي الشُّعَرَاء: [92]. {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} فِي الْأَحْزَابِ [61]. وَ(لِكَيْ لَا) إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ وَالْحَجِّ وَالْحَدِيدِ وَالثَّانِي فِي الْأَحْزَابِ. وَ{يَوْمَ هُمْ} [الذَّارِيَات: 13]. وَ{وَلَاتَ حِينَ} [ص: 3]. وَ{ابْنَ أُمِّ} [الْأَعْرَاف: 150]. إِلَّا فِي طه: [94]. فَكُتِبَتِ الْهَمْزَةُ حِينَئِذٍ وَاوًا، وَحُذِفَتْ هَمْزَةُ (ابْنِ) فَصَارَتْ هَكَذَا: {يَبْنَؤُمِّ}.
وَمُرَادُنَا غَيْرُ الشَّاذِّ. مِنْ ذَلِكَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، {يُخَادِعُونَ} [الْبَقَرَة: 9، وَالنِّسَاءِ142]. وَ{وَاعَدْنَا} [الْبَقَرَة: 51، وَالْأَعْرَاف: 142]. وَ{الصَّاعِقَةُ} [الْبَقَرَة: 55]. وَالرِّيَاحِ [الْبَقَرَة: 164]. وَ{تُفَادُوهُمْ} [الْبَقَرَة: 85]. وَ{تَظَاهَرُونَ} [الْبَقَرَة: 85، وَالْأَحْزَاب: 4]. {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ} [الْبَقَرَة: 191]. وَنَحْوُهَا. {وَلَوْلَا دَفْعُ}، {فَرِهَانٌ} [الْبَقَرَة: 283]. طَيْرًا فِي آلِ عِمْرَانَ: [49]. وَالْمَائِدَة: [110]. {مُضَاعَفَةً} [آلِ عِمْرَانَ: 130]. وَنَحْوُهُ. {عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 33]. {الْأَوْلَيَانِ} [الْمَائِدَة: 107]. {لَامَسْتُمُ} [النِّسَاء: 243، وَالْمَائِدَة: 6]. {قَاسِيَةً} [الْمَائِدَة: 213، وَالْحَجّ: 53، وَالزُّمَر: 22]. {قِيَامًا} النِّسَاء: [5]. {خَطِيئَاتِكُمْ} فِي الْأَعْرَاف: [161]. {طَائِفٌ} [الْأَعْرَاف: 201، وَالْقَلَم: 19]. {حَاشَا لِلَّهِ} [يُوسُفَ: 31]. {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ} [الرَّعْد: 42]. {تَزَاوَرُ} [الْكَهْف: 17]. {زَكِيَّةً} [الْكَهْف: 74]. {فَلَا تُصَاحِبْنِي} [الْكَهْف: 76]. {لَاتَّخَذْتَ} [الْكَهْف: 77]. {مِهَادًا} [طه: 53، وَالزُّخْرُف: 10]. {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} [الْأَنْبِيَاء: 95]. {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ} [الْحَجّ: 38]. {سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الْحَجّ: 2]. {الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 14]. {سِرَاجًا}، {بَلِ ادَّارَكَ} [النَّمْل: 66]. {وَلَا تُصَعِّرْ} [لُقْمَانَ: 18]. {رَبَّنَا بَاعِدْ} [سَبَأٍ: 19]. {أَسْوِرَةٌ} [الزُّخْرُف: 53]. بِلَا أَلِفٍ فِي الْكُلِّ، وَقَدْ قُرِئَتْ بِهَا وَبِحَذْفِهَا. {غَيَابَةِ الْجُبِّ} [يُوسُفَ: 15]. وَ{أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ} فِي الْعَنْكَبُوت: [50]. وَ{ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} فِي فُصِّلَتْ: [47]. وَ{جِمَالَةٌ} [الْمُرْسَلَات: 33]. {فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ} [فَاطِرٍ: 40]. {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سَبَأٍ: 37]. بِالتَّاءِ وَقَدْ قُرِئَتْ بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَادِ. وَ{تُقَاةً} [آلِ عِمْرَانَ: 28]. بِالْيَاءِ، وَ{لِأَهَبَ} [مَرْيَمَ: 19]. بِالْأَلِفِ، وَ(يُقَضَ الْحَقُّ) بِلَا يَاءٍ وَ{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الْكَهْف: 96]. بِأَلِفٍ فَقَطْ {نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 88]. بِنُونٍ وَاحِدَةٍ وَ{الصِّرَاطِ} كَيْفَ وَقَعَ، وَ{بَسْطَةً} فِي [الْأَعْرَاف: 69]. وَ{الْمُسَيْطِرُونَ} [الطُّور: 37]. وَ{بِمُسَيْطِرٍ} [الْغَاشِيَة: 22]. بِالصَّادِ لَا غَيْرَ. وَقَدْ تُكْتَبُ صَالِحَةً لِلْقِرَاءَتَيْنِ نَحْو: {فَاكِهُونَ} [يس: 55]. وَهِيَ قِرَاءَةٌ، وَعَلَى قِرَاءَتِهَا هِيَ مَحْذُوفَةٌ رَسْمًا; لِأَنَّهُ جَمْعُ تَصْحِيحٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [الْبَقَرَة: 70]. {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا} [الْبَقَرَة: 100]. وَأَمَّا {مَا بَقِيَ مِنَ} [الْبَقَرَة: 178]. فَقُرِئَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ. {فَلَقَاتَلُوكُمْ} [النِّسَاء: 90]. {إِنَّمَا طَائِرُكُمْ}، {طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الْإِسْرَاء: 13]. {تُسَاقِطْ} [مَرْيَمَ: 5]. {سَامِرًا} [الْمُؤْمِنُونَ: 67]. {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لُقْمَانَ: 14]. {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} [الْإِنْسَان: 21]. {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [الْمُطَفِّفِينَ: 26]. {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الْفَجْر: 29].
وَأَمَّا الْقِرَاءَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ الْمَشْهُورَةُ بِزِيَادَةٍ لَا يَحْتَمِلُهَا الرَّسْمُ وَنَحْوَهَا نَحْوَ: أَوْصَى {وَوَصَّى} وَتَجْرِي تَحْتَهَا وَ{مِنْ تَحْتِهَا} وَفَسَيَقُولُونَ اللَّهُ، وَلِلَّهِ} وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهُمْ}، {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} فَكِتَابَتُهُ عَلَى نَحْوِ قِرَاءَتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي مَصَاحِفِ الْإِمَامِ.
فَائِدَةٌ: كُتِبَتْ فَوَاتِحُ السُّوَرِ عَلَى صُورَةِ الْحُرُوفِ أَنْفُسِهَا; لَا عَلَى صُورَةِ النُّطْقِ بِهَا، اكْتِفَاءً بِشُهْرَتِهَا. وَقُطِعَتْ {حم عسق} دُونَ {المص} وَ{كهيعص} طَرْدًا لِلْأُولَى بِأَخَوَاتِهَا السِّتَّةِ.
يُسْتَحَبُّ كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ، وَتَحْسِينُ كِتَابَتِهِ وَتَبْيِينِهَا وَإِيضَاحِهَا، وَتَحْقِيقِ الْخَطِّ دُونَ مَشَقَّةٍ وَتَعْلِيقِهِ فَيُكْرَهُ، وَكَذَا كِتَابَتُهُ فِي الشَّيْءِ الصَّغِيرِ. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ رَجُلٍ مُصْحَفًا قَدْ كَتَبَهُ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَضَرَبَهُ، وَقَالَ: عَظِّمُوا كِتَابَ اللهِ. وَكَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مُصْحَفًا عَظِيمًا سُرَّ بِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُتَّخَذَ الْمَصَاحِفُ صِغَارًا. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ فِي الشَّيْءِ الصَّغِيرِ. وَأَخْرَجَ هُوَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي حَكِيمَةَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: مَرَّ بِي عَلِيٌّ وَأَنَا أَكْتُبُ مُصْحَفًا فَقَالَ: أَجِلَّ قَلَمَكَ، فَقَضَمْتُ مِنْ قَلَمِي قَضْمَةً، ثُمَّ جَعَلْتُ أَكْتُبُ، فَقَالَ: نَعَمْ هَكَذَا نَوَّرَهُ كَمَا نَوَّرَهُ اللهُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا قَالَ: تَنَوَّقَ رَجُلٌ فِي {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فَغُفِرَ لَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ وَابْنِ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ، مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُجَوَّدَةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِه: إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلْيَمُدَّ الرَّحْمَنَ. وَأَخْرَجَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُكْتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَ لَهَا سِينٌ. وَأَخْرَجَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ كَاتِبَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ (بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَكْتُبْ لَهَا سِينًا، فَضَرَبَهُ عُمَرُ فَقِيلَ لَهُ: فِيمَ ضَرَبَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: ضَرَبَنِي فِي سِينٍ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُمَدَّ الْبَاءُ إِلَى الْمِيمِ حَتَّى نَكْتُبَ السِّينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكْتَبَ الْمُصْحَفُ مَشَّقًا قِيلَ: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا. وَتُحْرَمُ كِتَابَتُهُ بِشَيْءٍ نَجِسٍ: وَأَمَّا بِالذَّهَبِ فَهُوَ حَسَنٌ، كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاء: أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ مُصْحَفٌ زُيِّنَ بِالذَّهَبِ فَقَالَ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا زَيَّنَ بِهِ الْمُصْحَفَ تِلَاوَتُهُ بِالْحَقِّ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَتُكْرَهُ كِتَابَتُهُ عَلَى الْحِيطَانِ وَالْجُدْرَانِ، وَعَلَى السُّقُوفِ أَشَدَّ كَرَاهَةٍ، لِأَنَّهُ يُوطَأُ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: لَا تَكْتُبُوا الْقُرْآنَ حَيْثُ يُوطَأُ. وَهَلْ تَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِقَلَمِ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ؟ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ; لِأَنَّهُ قَدْ يُحَسِّنُهُ مَنْ يَقْرَؤُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ كَمَا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَلِقَوْلِهِمْ: الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ، وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ قَلَمًا غَيْرَ الْعَرَبِيِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاء: 195]. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّه: لَا يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ إِلَّا مُضَرِيُّ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: هَذَا مِنْ أَجِلِّ اللُّغَاتِ. مَسْأَلَةٌ: اخْتُلِفَ فِي نُقَطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِه: وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو الْأُسُودِ الدُّؤَلِيُّ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقِيلَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَقِيلَ: نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ اللَّيْثِيُّ. وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْهَمْزَ وَالتَّشْدِيدَ وَالرَّوْمَ وَالْإِشْمَامَ الْخَلِيلُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَدَءُوا فَنَقَّطُوا، ثُمَّ خَمَّسُوا، ثُمَّ عَشَّرُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوَّلُ مَا أَحْدَثُوا النُّقَطَ عِنْدَ آخَرِ الْآيِ، ثُمَّ الْفَوَاتِحِ وَالْخَوَاتِمِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُحْدِثُ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا النُّقَطَ الثَّلَاثَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدِ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَخْلِطُوهُ بِشَيْءٍ. وَأَخْرَجَ عَنِ النَّخْعِيُّ أَنَّهُ كَرِهَ نَقْطَ الْمَصَاحِفِ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ النَّقْطَ وَالْفَوَاتِحَ وَالْخَوَاتِمَ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا التَّعْشِيرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ النَّخَعِيّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْعَوَاشِرَ وَالْفَوَاتِحَ وَتَصْغِيرَ الْمُصْحَفِ، وَأَنْ يُكْتَبَ فِيهِ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِمُصْحَفٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا آيَةٍ، فَقَالَ: امْحُ هَذَا، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَكْرَهُهُ. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْجُمَلَ فِي الْمُصْحَفِ، وَفَاتِحَةَ سُورَةِ كَذَا، وَخَاتِمَةَ سُورَةِ كَذَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّقْطِ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي يَتَعَلَّمُ فِيهَا الْغِلْمَانُ، أَمَّا الْأُمَّهَاتُ فَلَا. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْأَعْشَارِ وَالْأَخْمَاسِ، وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ، وَعَدَدِ الْآيَاتِ فِيهِ لِقَوْلِه: (جَرِّدُوا الْقُرْآنَ). وَأَمَّا النَّقْطُ فَيَجُوزُ لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ فَيُتَوَهَّمُ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرَآنًا. وَإِنَّمَا هِيَ دَلَالَاتٌ عَلَى هَيْئَةِ الْمَقْرُوءِ، فَلَا يَضُرُّ إِثْبَاتُهَا لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ آدَابِ الْقُرْآنِ أَنْ يُفَخَّمَ، فَيَكْتُبُ مُفَرَّجًا بِأَحْسَنِ خَطٍّ فَلَا يَصَغَّرُ وَلَا يُقَرْمَطُ حُرُوفَهُ، وَلَا يُخْلَطُ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ كَعَدَدِ الْآيَاتِ وَالسَّجَدَاتِ وَالْعَشَرَاتِ وَالْوُقُوفِ وَاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ وَمَعَانِي الْآيَاتِ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا بَأْسَ بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ. وَأَخْرَجَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِشَكْلِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَشَكْلُهُ مُسْتَحَبٌّ، لِأَنَّهُ صِيَانَةٌ لَهُ مِنَ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ. وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْكَلَ إِلَّا مَا يُشْكِلُ. وَقَالَ الدَّانِيُّ: لَا أَسْتَجِيزُ النَّقْطَ بِالسَّوَادِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّغْيِيرِ لِصُورَةِ الرَّسْمِ، وَلَا أَسْتَجِيزُ جَمْعَ قِرَاءَاتٍ شَتَّى فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ التَّخْلِيطِ وَالتَّغْيِيرِ لِلْمَرْسُومِ، وَأَرَى أَنْ تَكُونَ الْحَرَكَاتُ وَالتَّنْوِينُ وَالتَّشْدِيدُ وَالسُّكُونُ وَالْمَدُّ بِالْحُمْرَةِ وَالْهَمَزَاتِ بِالصُّفْرَةِ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الشَّافِي: مِنَ الْمَذْمُومِ كِتَابَةُ تَفْسِيرِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ بَيْنَ أَسْطُرِهِ.
فَائِدَةٌ: كَانَ الشَّكْلُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ نُقَطًا، فَالْفُتْحَةُ نُقْطَةٌ عَلَى أَوَّلِ الْحَرْفِ، وَالضَّمَّةُ عَلَى آخِرِهِ، وَالْكَسْرَةُ تَحْتَ أَوَّلِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الدَّانِيُّ. وَالَّذِي اشْتُهِرَ الْآنَ الضَّبْطُ بِالْحَرَكَاتِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْحُرُوفِ، وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْخَلِيلُ وَهُوَ أَكْثَرُ وَأَوْضَحُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. فَالْفَتْحُ شَكْلُهُ مُسْتَطِيلَةٌ فَوْقَ الْحَرْفِ، وَالْكَسْرُ كَذَلِكَ تَحْتَهُ، وَالضَّمُّ وَاوٌ صُغْرَى فَوْقَهُ. وَالتَّنْوِينُ زِيَادَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مُظْهَرًا وَذَلِكَ قَبْلَ حَرْفِ حَلْقٍ رُكِّبَتْ فَوْقَهَا، وَإِلَّا جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا. وَتَكْتُبُ الْأَلِفُ الْمَحْذُوفَةُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهَا فِي مَحَلِّهَا حَمْرَاءَ، وَالْهَمْزَةُ الْمَحْذُوفَةُ تُكْتَبُ هَمْزَةً بِلَا حِرَفٍ حَمْرَاءَ أَيْضًا، وَعَلَى النُّونِ وَالتَّنْوِينِ قَبْلَ الْبَاءِ عَلَامَةُ الْإِقْلَابِ (م) حَمْرَاءُ، وَقَبْلَ الْحَلْقِ سُكُونٌ، وَتُعَرَّى عِنْدَ الْإِدْغَامِ وَالْإِخْفَاءِ، وَيُسَّكَنُ كُلُّ مُسَكَّنٍ، وَيُعَرَّى الْمُدْغَمُ، وَيُشَدَّدُ مَا بَعْدَهُ إِلَّا الطَّاءِ قَبْلَ التَّاءِ، فَيُكْتَبُ عَلَيْهِ السُّكُونَ نَحْوَ: فَرَّطْتُ [الزُّمَر: 56]. وَمَطَّةُ الْمَمْدُودِ لَا تُجَاوِزُهُ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيث: قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن: أَحَدُهُمَا جَرِّدُوهُ فِي التِّلَاوَةِ، وَلَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ. وَالثَّانِي: جَرِّدُوهُ فِي الْخَطِّ مِنَ النُّقَطِ وَالتَّعْشِيرِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَبْيَنُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ، لِأَنَّ مَا خَلَا الْقُرْآنَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ عَلَيْهَا.
فَرْعٌ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ. وَأَخْرِجَ مِثْلَهُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ. وَاخْرَجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَشِرَاءِهَا، وَأَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى كِتَابَتِهَا. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِالثَّلَاثَةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ أُجُورَ أَيْدِيهُمْ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّة: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمُصْحَفِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ إِنَّمَا تَبِيعُ الْوَرَقَ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَدِّدُونَ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ. وَأَخْرَجَ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُصْحَفُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوَرَّثُ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّب: أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ. وَقَالَ: أَعِنْ أَخَاكَ بِالْكِتَابِ أَوْ هَبْ لَهُ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ وَلَا تَبِعْهَا. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ وَرَخَصَّ فِي شِرَائِهَا. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلسَّلَف: ثَالِثُهَا: كَرَاهَةُ الْبَيْعِ دُونَ الشِّرَاءِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ عِنْدَنَا، كَمَا صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَنَقَلَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الثَّمَنَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُبَاعُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أُجْرَةِ النَّسْخِ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ إِسْنَادُ الْقَوْلَيْنِ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ جُبَيْرٍ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُمَا مَعًا. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَصَاحِفِ إِنَّمَا يَبِيعُ الْوَرَقَ وَعَمَلَ يَدَيْهِ.
فَرْعٌ: قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِد: الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ بِدْعَةٌ لَمْ تُعْهَدْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ مِنَ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ وَعَدَمِ التَّهَاوُنِ بِهِ.
فَرْعٌ: يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ، لِأَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَشَرَعَ تَقْبِيلَهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رُوَايَاتٍ: الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْبَابُ وَالتَّوَقُفُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْعَةٌ وَإِكْرَامٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ قِيَاسٌ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ فِي الْحَجَر: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
فَرْعٌ: يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ الْمُصْحَفِ، وَجَعْلُهُ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَيَحْرُمُ تَوَسُّدُهُ لِأَنَّ فِيهِ إِذْلَالًا وَامْتِهَانًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا مَدَّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعَلَّقَ الْمَصَاحِفُ، وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا لِلْحَدِيثِ كَرَاسِيَّ كَكَرَاسِيِّ الْمَصَاحِفِ.
فَرْعٌ: يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالْفِضَّةِ أَيِ الْمُصْحَفُ إِكْرَامًا لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ تَفْضِيضِ الْمَصَاحِفِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مُصْحَفًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي: أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُمْ فَضَّضُوا الْمَصَاحِفَ عَلَى هَذَا أَوْ نَحْوِهِ. وَأَمَّا بِالذَّهَبِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمِ الْجَوَازَ بِنَفْسِ الْمُصْحَفِ، دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَالْأَظْهَرُ التَّسْوِيَةُ.
فَرْعٌ: إِذَا احْتِيجَ إِلَى تَعْطِيلِ بَعْضِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ لِبِلًى وَنَحْوِهِ، فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا فِي شَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ وَيُوطَأُ، وَلَا يَجُوزُ تَمْزِيقُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِقَةِ الْكَلِمِ، وَفِي ذَلِكَ إِزْرَاءٌ بِالْمَكْتُوبِ. كَذَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ. قَالَ: وَلَهُ غَسْلُهَا بِالْمَاءِ، وَإِنْ أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ فَلَا بَأْسَ، أَحْرَقَ عُثْمَانُ مَصَاحِفَ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ وَقِرَاءَاتٌ مَنْسُوخَةٌ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِحْرَاقَ أَوْلَى مِنَ الْغَسْلِ، لِأَنَّ الْغُسَالَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ، وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِامْتِنَاعِ الْإِحْرَاقِ، لِأَنَّهُ خِلَافَ الِاحْتِرَامِ وَالنَّوَوِيُّ بِالْكَرَاهَةِ. وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفَيَّة: أَنَّ الْمُصْحَفَ إِذَا بَلِيَ لَا يُحْرَقُ، بَلْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَيُدْفَنُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ، لِتَعَرُّضِهِ لِلْوَطْءِ بِالْأَقْدَامِ.
فَرْعٌ: رَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ مُصَيْحِفٌ وَلَا مُسَيْجِدٌ مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ عَظِيمٌ.
فَرْعٌ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ تَحْرِيمِ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْمُحْدِثِ، سَوَاءٌ كَانَ أَصْغَرَ أَمْ أَكَبْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الْوَاقِعَة: 79]. وَحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِه: «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ». خَاتِمَةٌ. رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرَهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِه: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا».
التَّفْسِيرُ: تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ. وَيُقَالَ هُوَ مَقْلُوبٌ السَّفَرِ. تَقُولُ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ: إِذَا أَضَاءَ. وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ التَّفْسِرَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يَعْرِفُ بِهِ الطَّبِيبُ الْمَرَضِ.
وَالتَّأْوِيلُ: أَصْلُهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، فَكَأَنَّهُ صَرَفَ الْآيَةَ إِلَى مَا تَحْتَمِلُهُ مِنَ الْمَعَانِي. وَقِيلَ: مِنَ الْإِيَالَةِ، وَهِيَ السِّيَاسَةُ كَأَنَّ الْمُؤَوِّلَ لِلْكَلَامِ سَاسَ الْكَلَامَ، وَوَضَعَ الْمَعْنَى فِيهِ مَوْضِعَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٍ: هُمَا بِمَعْنًى. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ قَوْمٌ حَتَّى بَالَغَ ابْنُ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فَقَالَ: قَدْ نَبَغَ فِي زَمَانِنَا مُفَسِّرُونَ لَوْ سُئِلُوا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَلْفَاظِ وَمُفْرَدَاتِهَا، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعَانِي وَالْجُمَلِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالتَّفْسِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّفْسِيرُ بَيَانُ لَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، وَالتَّأْوِيلُ تَوْجِيهُ لَفْظٍ مُتَوَجِّهٍ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ. وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: التَّفْسِير الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ اللَّفْظِ هَذَا، وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ عَنَى بِاللَّفْظِ هَذَا، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَتَفْسِيرٌ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. وَالتَّأْوِيلُ: تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُحْتَمِلَاتِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ التَّغْلِبِيُّ: التَّفْسِيرُ بَيَانُ وَضْعِ اللَّفْظِ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، كَتَفْسِيرِ الصِّرَاطِ بِالطَّرِيقِ، وَالصَّيِّبِ بِالْمَطَرِ. وَالتَّأْوِيلُ: تَفْسِيرُ بَاطِنِ اللَّفْظِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ، فَالتَّأْوِيلُ إِخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ، وَالتَّفْسِيرُ إِخْبَارٌ عَنْ دَلِيلِ الْمُرَادِ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَكْشِفُ عَنِ الْمُرَادِ، وَالْكَاشِفُ دَلِيلٌ، مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الْفَجْرَ: 4] تَفْسِيرُهُ: أَنَّهُ مِنَ الرَّصْدِ، يُقَالَ: رَصَدْتُهُ رَقَبْتُهُ، وَالْمِرْصَادُ مِفْعَالٌ مِنْهُ. وَتَأْوِيلُهُ: التَّحْذِيرُ مِنَ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْغَفْلَةِ عَنِ الْأُهْبَةِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْعَرْضِ عَلَيْهِ. وَقَوَاطِعُ الْأَدِلَّةِ تَقْتَضِي بَيَانَ الْمُرَادِ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ وَضْعِ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ. وَقَالَ الْأَصْبِهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِه: اعْلَمْ أَنَّ التَّفْسِيرَ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ كَشْفُ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَبَيَانُ الْمُرَادِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْمُشْكَلِ وَغَيْرِهِ، وَبِحَسَبِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ. وَالتَّأْوِيلُ أَكْثَرُهُ فِي الْجُمَلِ. وَالتَّفْسِيرُ: إِمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَرِيبِ الْأَلْفَاظِ، نَحْوَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ، أَوْ فِي وَجِيزٍ يَتَبَيَّنُ بِشَرْحٍ نَحْوَ: أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَإِمَّا فِي كَلَامٍ مُتَضَمِّنٍ لِقِصَّةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهَا كَقَوْلِه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التَّوْبَة: 37]. وَقَوْلُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [الْبَقَرَة: 189]. وَأَمَّا التَّأْوِيلُ: فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً عَامًا، وَمَرَّةً خَاصًّا نَحْوَ: الْكُفْرُ الْمُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي الْجُحُودِ الْمُطْلَقِ، وَتَارَةً فِي جُحُودِ الْبَارِئِ عَزَّ وَجَلَّ خَاصَّةً. وَالْإِيمَانُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ الْمُطْلَقِ تَارَةً، وَفِي تَصْدِيقِ الْحَقِّ أُخْرَى. وَإِمَّا فِي لَفْظٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، نَحْوَ لَفْظِ (وَجَدَ) الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْجِدَّةِ وَالْوَجْدِ وَالْوُجُودِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّفْسِيرُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّوَايَةِ وَالتَّأْوِيلِ يَتَعَلَّقُ بِالدِّرَايَةِ. وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ: التَّفْسِيرُ مَقْصُورٌ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَالسَّمَاعِ، وَالِاسْتِنْبَاطُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّأْوِيلِ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَا وَقَعَ مُبِينًا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمُعَيَّنًا فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ سُمِّيَ تَفْسِيرًا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَدْ ظَهَرَ وَوَضَحَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ وَلَا غَيْرِهِ، بَلْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ لَا يَتَعَدَّاهُ. وَالتَّأْوِيلُ: مَا اسْتَنْبَطَهُ الْعُلَمَاءُ الْعَالِمُونَ لِمَعَانِي الْخِطَابِ، الْمَاهِرُونَ فِي آلَاتِ الْعُلُومِ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْبَغْوَيُّ وَالْكَوَاشِيُّ: التَّأْوِيلُ: صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنَى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسَّنَةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّفْسِيرُ فِي الِاصْطِلَاحِ عِلْمُ نُزُولِ الْآيَاتِ وَشُؤُونِهَا وَأَقَاصِيصِهَا، وَالْأَسْبَابِ النَّازِلَةِ فِيهَا، ثُمَّ تَرْتِيبِ مَكِّيِّهَا وَمَدَنِيِّهَا، وَمُحَكِّمِهَا وَمُتَشَابِهِهَا، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا، وَخَاصِّهَا وَعَامِّهَا، وَمُطْلِقِهَا وَمُقَيَّدِهَا، وَمُجَمِّلِهَا وَمُفَسَّرِهَا، وَحَلَالِهَا وَحَرَامِهَا، وَوَعْدِهَا وَوَعِيدِهَا، وَأَمْرِهَا وَنَهْيِهَا، وَعِبَرِهَا وَأَمْثَالِهَا. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: التَّفْسِيرُ: عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ. قَالَ: فَقَوْلُنَا (عِلْمٌ): جِنْسٌ. وَقَوْلُنَا: (يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ) هُوَ عِلْمُ الْقِرَاءَةِ. وَقَوْلُنَا: (وَمَدْلُولَاتِهَا) أَيْ: مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا مَتْنُ عِلْمِ اللُّغَةِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ. وَقَوْلُنَا: (وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ) هَذَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّصْرِيفِ وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ. وَقَوْلُنَا: (وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ) يَشْمَلُ مَا دَلَالَتُهُ بِالْحَقِيقَةِ، وَمَا دَلَالَتُهُ بِالْمَجَازِ، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ قَدْ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ شَيْئًا، وَيَصُدُّ عَنِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ صَادٌّ، فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَجَازُ. وَقَوْلُنَا: (وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ) هُوَ مِثْلَ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ، وَسَبَبِ النُّزُولِ، وَقِصَّةٍ تُوَضِّحُ بَعْضَ مَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: التَّفْسِيرُ: عِلْمٌ يُفْهَمُ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانَ مَعَانِيهِ وَاسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِهِ وَحِكَمِهِ، وَاسْتِمْدَادِ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ، وَعِلْمِ الْبَيَانِ، وَأُصُولِ الْفِقْهِ، وَالْقِرَاءَاتِ، وَيَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.
وَأَمَّا وَجْهُ الْحَاجَةِ إِلَيْه: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَاطَبَ خَلْقَهُ بِمَا يَفْهَمُونَهُ، وَلِذَلِكَ أَرْسَلَ كُلَّ رَسُولٍ بِلِسَانِ قَوْمِهِ، وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ عَلَى لُغَتِهِمْ. وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى التَّفْسِيرِ لِمَا سَيَذْكُرُ بَعْدَ تَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَضَعَ مِنَ الْبَشَرِ كِتَابًا هو في حاجة إلى شرح و ذلك مور ثلاثة فَإِنَّمَا وَضَعَهُ لِيُفْهَمَ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْحٍ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى الشُّرُوحِ لِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ. أَحَدُهَا: كَمَالُ فَضِيلَةِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ لِقُوَّتِهِ الْعِلْمِيَّةِ يَجْمَعُ الْمَعَانِيَ الدَّقِيقَةَ فِي اللَّفْظِ الْوَجِيزِ، فَرُبَّمَا عُسِرَ فَهْمُ مُرَادِهِ، فَقَصَدَ بِالشَّرْحِ ظُهُورَ تِلْكَ الْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ شَرْحُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ تَصْنِيفَهُ أَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ شَرْحِ غَيْرِهِ لَهُ. وَثَانِيهَا: إِغْفَالُهُ بَعْضَ تَتِمَّاتِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ شُرُوطٍ لَهَا اعْتِمَادًا عَلَى وُضُوحِهَا أَوْ لِأَنَّهَا مِنْ عِلْمٍ آخَرَ فَيَحْتَاجُ الشَّارِحُ لِبَيَانِ الْمَحْذُوفِ وَمَرَاتِبِهِ. وَثَالِثُهَا: احْتِمَالُ اللَّفْظِ لِمَعَانٍ كَمَا فِي الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ، وَدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ، فَيَحْتَاجُ الشَّارِحُ إِلَى بَيَانِ غَرَضِ الْمُصَنِّفِ وَتَرْجِيحِهِ. وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّصَانِيفِ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ بَشَرٌ مِنَ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ أَوْ تَكْرَارِ الشَّيْءِ، أَوْ حَذْفِ الْمُبْهَمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَحْتَاجُ الشَّارِحُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ. إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فِي زَمَنِ أَفْصَحِ الْعَرَبِ فلما احتاجوا إلى تفسيره وَكَانُوا يَعْلَمُونَ ظَوَاهِرَهُ وَأَحْكَامَهُ. أَمَّا دَقَائِقُ بَاطِنِه: فَإِنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ لَهُمْ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ مَعَ سُؤَالِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَكْثَرِ، كَسُؤَالِهِمْ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الْأَنْعَام: 82]. فَقَالُوا: وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ. فَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لُقْمَانَ: 13]. وَكَسُؤَالِ عَائِشَةَ عَنِ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ، فَقَالَ: ذَلِكَ الْعَرُضُ. وَكَقِصَّةِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَأَلُوا عَنْ آحَادٍ مِنْهُ، وَنَحْنُ مُحْتَاجُونَ إِلَى مَا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الظَّوَاهِرِ، لِقُصُورِنَا عَنْ مَدَارِكِ أَحْكَامِ اللُّغَةِ بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ، فَنَحْنُ أَشَدُّ النَّاسِ احْتِيَاجًا إِلَى تفسير القرآن التَّفْسِيرِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَفْسِيرَ بَعْضِهِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأَلْفَاظِ الْوَجِيزَةِ وَكَشْفِ مَعَانِيهَا، وَبَعْضُهُ مِنْ قِبَلِ تَرْجِيحِ بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى بَعْضٍ. انْتَهَى. وَقَالَ الْخُوَيِّيُّ: عِلْمُ التَّفْسِيرِ قَالَ عَنْهُ الْخُوَيِّيُّ عَسِيرٌ يَسِيرٌ، أَمَّا عُسْرُهُ فَظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ، أَظْهَرُهَا أَنَّهُ كَلَامُ مُتَكَلِّمٍ لَمْ تَصِلِ النَّاسُ إِلَى مُرَادِهِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، وَلَا إِمْكَانِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَخِلَافُ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْعَارِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُمَكِّنُ عِلْمَهُ مِنْهُ إِذَا تَكَلَّمَ بِأَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ. وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَتَفْسِيرُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِأَنْ يَسْمَعَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ إِلَّا فِي آيَاتٍ قَلَائِلَ، فَالْعِلْمُ بِالْمُرَادِ يُسْتَنْبَطُ بِأَمَارَاتٍ وَدَلَائِلَ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَتَفَكَّرَ عِبَادَهُ فِي كِتَابِهِ، فَلَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْمُرَادِ فِي جَمِيعِ آيَاتِهِ.
وَأَمَّا شَرَفُهُ فَلَا يَخْفَى، قَالَ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [الْبَقَرَة: 269]. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قَالَ: الْمَعْرِفَةُ بِالْقُرْآنِ، نَاسِخُهُ وَمَنْسُوخُهُ، وَمُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ، وَمُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ، وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ، وَأَمْثَالُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا: «{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قَالَ: الْقُرْآنَ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي تَفْسِيرَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قَالَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْفِكْرَةُ فِيهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَقَتَادَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [الْعَنْكَبُوت: 43]. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: مَا مَرَرْتُ بِآيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا أَعْرِفُهَا إِلَّا أَحْزَنَتْنِي، لِأَنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ تُعْلَمَ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَمَا أَرَادَ بِهَا. وَأَخْرَجَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يُحْسِنُ تَفْسِيرَهُ، كَالْأَعْرَابِيِّ يَهُذُّ الشِّعْرَ هَذًّا. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ وَالْتَمِسُوا غَرَائِبَهُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لِأَنْ أُعْرِبَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْفَظَ آيَةً. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ إِذَا سَافَرْتُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَعْرَبْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَفَعَلْتُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرُ شَهِيدٍ. قُلْتُ: مَعْنَى هَذِهِ الْآثَارِ عِنْدِي إِرَادَةُ الْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِعْرَابِ عَلَى الْحُكْمِ النَّحْوِيِّ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ، وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي سَلِيقَتِهِمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَعَلُّمِهِ. ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ النَّقِيبِ جَنَحَ إِلَى مَا ذَكَرْتُهُ، وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِعْرَابَ الصِّنَاعِيَّ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ السِّلَفِيُّ فِي الطُّيُورِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ يَدُلَّكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ» وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَأَجَلُّ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ الشَّرْعِيَّةِ. قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ: أَشْرَفُ صِنَاعَةٍ يَتَعَاطَاهَا الْإِنْسَانُ تَفْسِيرُ الْقُرْآن قَالَ فِيهِ الْأَصْبَهَانِيُّ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ شَرَفَ الصِّنَاعَةِ إِمَّا بِشَرَفِ مَوْضُوعِهَا مِثْلَ الصِّيَاغَةِ، فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنَ الدِّبَاغَةِ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الصِّيَاغَةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْ مَوْضُوعِ الدِّبَاغَةِ الَّذِي هُوَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ. وَإِمَّا بِشَرَفِ غَرَضِهَا مِثْلَ صِنَاعَةِ الطِّبِّ، فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ صِنَاعَةِ الْكُنَاسَةِ، لِأَنَّ غَرَضَ الطِّبِّ إِفَادَةُ الصِّحَّةِ، وَغَرَضَ الْكُنَاسَةِ تَنْظِيفُ الْمُسْتَرَاحِ. وَإِمَّا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَالْفِقْهِ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الطِّبِّ، إِذْ مَا مِنْ وَاقِعَةٍ فِي الْكَوْنِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْفِقْهِ، لِأَنَّ بِهِ انْتِظَامُ صَلَاحِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، بِخِلَافِ الطِّبِّ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَصِنَاعَةُ التَّفْسِيرِ قَدْ حَازَتِ الشَّرَفَ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ. أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعِ فَلِأَنَّ مَوْضُوعَهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ يَنْبُوعُ كُلِّ حِكْمَةٍ، وَمَعْدِنُ كُلِّ فَضِيلَةٍ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبِلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، لَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْغَرَض: فَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ هُوَ الِاعْتِصَامُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَالْوُصُولُ إِلَى السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا تَفْنَى. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ شِدَّةِ الْحَاجَة: فَلِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلِيٍّ أَوْ آجِلِيٍّ، مُفْتَقِرٌ إِلَى الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
1- قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ طَلَبَهُ أَوَّلًا مِنَ الْقُرْآنِ، فَمَا أُجْمِلَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ فَقَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمَا اخْتُصِرَ فِي مَكَانٍ فَقَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ. وَقَدْ أَلَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ كِتَابًا فِيمَا أُجْمِلَ فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعٍ، وَفُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ، وَأَشَرْتُ إِلَى أَمْثِلَةٍ مِنْهُ فِي نَوْعِ الْمُجْمَلِ. 2- فَإِنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ طَلَبَهُ مِنَ السُّنَّة: فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُوَضَّحَةٌ لَهُ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النِّسَاء: 105].. فِي آيَاتٍ أُخَرَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَّا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». يَعْنِي: السُّنَّةَ. 3- فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ مِنَ السُّنَّةِ رَجَعَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَة: فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ، لِمَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ عِنْدَ نُزُولِهِ، وَلِمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك: إِنَّ تَفْسِيرَ الصَّحَابِيِّ لِلْقُرْآنِ قَالَ عَنْهُ الْحَاكِمُ الَّذِي شَهِدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الطَّبَرِيُّ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِه: الْقَوْلُ فِي آدَابِ الْمُفَسِّر: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ صِحَّةُ الِاعْتِقَادِ أَوَّلًا، وَلُزُومُ سُنَّةِ الدِّينِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الدُّنْيَا، فَكَيْفَ عَلَى الدِّينِ ثُمَّ لَا يُؤْتَمَنُ مِنَ الدِّينِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ عَالِمٍ، فَكَيْفَ يُؤْتَمَنُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْإِلْحَادِ أَنْ يَبْغِيَ الْفِتْنَةَ، وَيُغِرِّ النَّاسَ بِلَيِّهِ وَخِدَاعِهِ، كَدَأْبِ الْبَاطِنِيَّةِ وَغُلَاةِ الرَّافِضَةِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِهَوًى لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَحْمِلَهُ هَوَاهُ عَلَى مَا يُوَافِقُ بِدَعَتِهِ، كَدَأْبِ الْقَدَرِيَّةِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يُصَنِّفُ الْكِتَابَ فِي التَّفْسِيرِ، وَمَقْصُودُهُ مِنْهُ الْإِيضَاحُ خِلَالَ الْمَسَاكِينِ، لِيَصُدَّهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ السَّلَفِ، وَلُزُومِ طَرِيقِ الْهُدَى. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتِمَادُهُ عَلَى النَّقْلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَمَنْ عَاصَرَهُمْ، وَيَتَجَنَّبُ الْمُحْدَثَاتِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ أَقْوَالُهُمْ، وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا فَعَلَ، نَحْوَ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَقْوَالُهُمْ فِيهِ تَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَيَأْخُذُ مِنْهَا مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْجَمِيعِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَطَرِيقِ الْأَنْبِيَاءِ، فَطَرِيقُ السُّنَّةِ وَطَرِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرِيقُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَيُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَفْرَدَهُ كَانَ مُحْسِنًا. وَإِنْ تَعَارَضَتْ رَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَا ثَبَتَ فِيهِ السَّمْعُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَمْعًا، وَكَانَ لِلِاسْتِدْلَالِ طَرِيقٌ إِلَى تَقْوِيَةِ أَحَدِهَا رَجَّحَ مَا قَوِيَ الِاسْتِدْلَالُ فِيهِ، كَاخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ، يُرَجِّحُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا قَسَمٌ. وَإِنْ تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ فِي الْمُرَادِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَيُؤْمِنُ بِمُرَادِ اللَّهِ مِنْهَا، وَلَا يَتَهَجَّمُ عَلَى تَعْيِينِهِ، وَيُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ الْمُجْمَلِ قَبْلَ تَفْصِيلِهِ، وَالْمُتَشَابِهِ قَبْلَ تَبْيِينِهِ. وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْمَقْصِدِ فِيمَا يَقُولُ لِيَلْقَى التَّسْدِيدَ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [الْعَنْكَبُوت: 69]. وَإِنَّمَا يَخْلُصُ لَهُ الْقَصْدُ إِذَا زَهِدَ فِي الدُّنْيَا; لِأَنَّهُ إِذَا رَغِبَ فِيهَا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى غَرَضٍ يَصُدُّهُ عَنْ صَوَابِ قَصْدِهِ، وَيُفْسِدُ عَلَيْهِ صِحَّةَ عَمَلِهِ. وَتَمَامُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ أَنْ يَكُونَ مُمْتَلِئًا مِنْ عِدَّةِ الْإِعْرَابِ، لَا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ وُجُوهِ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ بِالْبَيَانِ عَنْ وَضْعِ اللِّسَانِ، إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، فَتَأْوِيلُهُ تَعْطِيلُهُ. وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضُهُمْ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الْأَنْعَام: 91]. إِنَّهُ مُلَازِمَةُ قَوْلِ اللَّهِ، وَلَمْ يَدْرِ الْغَبِيُّ أَنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ حُذِفَ مِنْهَا الْخَبَرُ، وَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَنْزَلَهُ. انْتَهَى كَلَامُ أَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي كِتَابٍ أَلَّفَهُ فِي هَذَا النَّوْع: يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِي الْقُرْآنِ، كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْل: 44]. يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا. وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَتَجَاوَزُوهَا حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا. وَلِهَذَا كَانُوا يَبْقَوْنَ مُدَّةً فِي حِفْظِ السُّورَةِ. وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ الرَّجُلَ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِي أَعْيُنِنَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حِفْظِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِ سِنِينَ. أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]. وَقَالَ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النِّسَاء: 82]. وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ بِدُونِ فَهْمِ مَعَانِيهِ لَا يُمْكِنُ. وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ كِتَابًا فِي فَنٍّ مِنَ الْعِلْمِ، كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ، وَلَا يَسْتَشْرِحُونَهُ، فَكَيْفَ بِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِصْمَتُهُمْ، وَبِهِ نَجَاتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ، وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلِهَذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ قَلِيلًا جِدًّا، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بَعْدَهُمْ. [وَكُلَّمَا كَانَ الْعَصْرُ أَشْرَفَ، كَانَ الِاجْتِمَاعُ وَالِائْتِلَافُ وَالْعِلْمُ وَالْبَيَانُ فِيهِ أَكْثَرَ]. وَمِنَ التَّابِعِينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ التَّفْسِيرِ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَرُبَّمَا تَكَلَّمُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ. وَالْخِلَافُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي التَّفْسِيرِ قَلِيلٌ. وَغَالِبُ مَا يَصِحُّ عَنْهُمْ مِنَ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافِ تَنَوُّعٍ لَا اخْتِلَافِ تَضَادٍّ، وَذَلِكَ صِنْفَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ الْمُرَادِ بِعِبَارَةٍ غَيْرَ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ، تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى غَيْرَ الْمَعْنَى الْآخَرِ، مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى كَتَفْسِيرِهِمْ {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} بَعْضٌ: بِالْقُرْآن أَي: اتِّبَاعُهُ، وَبَعْضٌ: بِالْإِسْلَامِ، فَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ، وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا نَبَّهَ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ: الصِّرَاطِ يُشْعِرُ بِوَصْفٍ ثَالِثٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَشَارُوا إِلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنْ وَصَفَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا. الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنَ الِاسْمِ الْعَامِّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، وَتَنْبِيهَ الْمُسْتَمِعِ عَلَى النَّوْعِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَدِّ الْمُطَابِقِ لِلْمَحْدُودِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ، مِثَالُهُ مَا نُقِلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} [فَاطِرٍ: 32]. فَمَعْلُومٌ أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُضَيِّعَ لِلْوَاجِبَاتِ، وَالْمُنْتَهِكَ لِلْحُرُمَاتِ، وَالْمُقْتَصِدُ يَتَنَاوَلُ فَاعِلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَارِكَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالسَّابِقُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ سَبَقَ فَتَقَرَّبَ بِالْحَسَنَاتِ مَعَ الْوَاجِبَاتِ. فَالْمُقْتَصِدُونَ أَصْحَابُ الْيَمِينِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُقَرَّبُونَ. ثُمَّ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَذْكُرُ هَذَا فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَقَوْلِ الْقَائِل: السَّابِقُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَثْنَائِهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفَسِهِ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ إِلَى الِاصْفِرَارِ. أَوْ يَقُولُ: السَّابِقُ الْمُحْسِنُ بِالصَّدَقَةِ مَعَ الزَّكَاةِ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فَقَطْ، وَالظَّالِمُ مَانِعُ الزَّكَاةِ. قَالَ: وَهَذَانِ الصِّنْفَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي تَنَوُّعِ التَّفْسِيرِ، تَارَةً لِتَنَوُّعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَتَارَةً لِذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمُسَمَّى، هُوَ الْغَالِبُ فِي تَفْسِيرِ سَلَفِ الْأُمَّةِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ. وَمِنَ التَّنَازُعِ الْمَوْجُودِ عَنْهُمْ مَا يَكُونُ اللَّفْظُ فِيهِ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْن: إِمَّا لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي اللُّغَةِ كَلَفْظِ {قَسْوَرَةٍ} [الْمُدَّثِّر: 51]. الَّذِي يُرَادُ بِهِ الرَّامِي، وَيُرَادُ بِهِ الْأَسَدُ. وَلَفْظِ {عَسْعَسَ} [التَّكْوِير: 17]. الَّذِي يُرَادُ بِهِ إِقْبَالُ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِهِ. وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُتَوَاطِئًا فِي الْأَصْلِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ كَالضَّمَائِرِ فِي قَوْلِه: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النَّجْم: 8]. وَكَلَفْظِ الْفَجْرِ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلَّ الْمَعَانِي الَّتِي قَالَهَا السَّلَفُ، وَقَدْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. فَالْأَوَّلُ إِمَّا لِكَوْنِ الْآيَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَأُرِيدَ بِهَا هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً، وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرِكِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ. وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُتَوَاطِئًا فَيَكُونُ عَامًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِمُخَصِّصِهِ مُوجَبٌ، فَهَذَا النَّوْعُ إِذَا صَحَّ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَانَ مِنَ الصِّنْفِ الثَّانِي. وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْمَوْجُودَةِ عَنْهُمْ وَيَجْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ اخْتِلَافًا أَنْ يُعَبِّرُوا عَنِ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، كَمَا إِذَا فَسَّرَ بَعْضُهُمْ {تُبْسَلَ} [الْأَنْعَام: 70]. بِ (تُحْبَسَ وَبَعْضُهُمْ بِ (تُرْتَهَنَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَرِيبٌ مِنَ الْآخَرِ. ثُمَّ قَالَ:
وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّفْسِيرِ عَلَى نَوْعَيْن: مِنْهُ مَا مُسْتَنَدُهُ النَّقْلُ فَقَطْ، وَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمَنْقُولُ إِمَّا عَنِ الْمَعْصُومِ أَوْ غَيْرِهِ. وَمِنْهُ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَمِنْهُ مَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ. وَهَذَا الْقِسْمُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ صَحِيحِهِ مِنْ ضَعِيفِهِ عَامَّتُهُ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي لَوْنِ كَلْبِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَاسْمِهِ، وَفِي الْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيلُ مِنَ الْبَقَرَةِ، وَفِي قَدْرِ سَفِينَةِ نُوحٍ وَخَشَبِهَا، وَفِي اسْمِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهَا النَّقْلُ، فَمَا كَانَ مِنْهُ مَنْقُولًا نَقْلًا صَحِيحًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلُ، وَمَا لَا بِأَنْ نُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْكُتُبِ كَكَعْبٍ وَوَهْبٍ، وَقَفَ عَنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ». وَكَذَا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَمَتَى اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَقْوَالِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ، وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إِلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا يُنْقَلُ عَنِ التَّابِعِينَ، لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى، وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مَنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ. وَمَعَ جَزْمِ الصَّحَابِيِّ بِمَا يَقُولُهُ، كَيْفَ يُقَالَ: إِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ. وَأَمَّا الْقَسَمُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ: فَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَلَاثَةٌ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ: التَّفْسِيرُ، وَالْمَلَاحِمُ، وَالْمَغَازِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ. وَأَمَّا مَا يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ لَا بِالنَّقْلِ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا فِيهِ الْخَطَأُ مِنْ جِهَتَيْنِ حَدَثَتَا بَعْدَ تَفْسِيرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعَيْهِمْ بِإِحْسَانٍ، فَإِنَّ التَّفَاسِيرَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ صِرْفًا، لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ، مِثْلَ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيِّ، وَوَكِيعٍ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ وَأَمْثَالِهِمْ. أَحَدِهِمَا: قَوْمٌ اعْتَقَدُوا مَعَانِي، ثُمَّ أَرَادُوا حَمْلَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: قَوْمٌ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ بِمُجَرَّدِ مَا يُسَوِّغُ أَنْ يُرِيدَهُ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاطِقِينَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْمُتَكَلَّمِ بِالْقُرْآنِ وَالْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ وَالْمُخَاطَبِ بِهِ. فَالْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَمَا رَعَوْهُ فِي التَّفْسِيرِ رَاعَوُا الْمَعْنَى الَّذِي رَأَوْهُ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ مِنَ الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ. وَالْآخَرُونَ: رَاعَوْا مُجَرَّدَ اللَّفْظِ، وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَرَبِيُّ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا يَصْلُحُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَسِيَاقِ الْكَلَامِ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ، كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلِينَ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ الْقُرْآنَ كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الْآخِرُونَ، وَإِنْ كَانَ نَظَرُ الْأَوَّلِينَ إِلَى الْمَعْنَى أَسْبَقَ وَنَظَرُ الْآخَرِينَ إِلَى اللَّفْظِ أَسْبَقَ. وَالْأَوَّلُونَ صِنْفَانِ فِي تَفْسِيرِهِمْ لِلْقُرْآن: تَارَةً يَسْلُبُونَ لَفْظَ الْقُرْآنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ، وَتَارَةً يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ، وَفِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ يَكُونُوا مَا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ مِنَ الْمَعْنَى بَاطِلًا، فَيَكُونُ خَطَؤُهُمْ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ، وَقَدْ يَكُونُ حَقًّا فَيَكُونُ خَطَؤُهُمْ فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُولِ. فَالَّذِينَ أَخْطَئُوا فِيهِمَا مِثْلَ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ اعْتَقَدُوا مَذَاهِبَ بَاطِلَةً، وَعَمَدُوا إِلَى الْقُرْآنِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى رَأْيِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ سَلَفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، لَا فِي رَأْيِهِمْ وَلَا فِي تَفْسِيرِهِمْ، وَقَدْ صَنَّفُوا تَفَاسِيرَ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ، مِثْلَ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ، وَالْجِبَائِيِّ، وَعَبْدِ الْجَبَّارِ، وَالرُّمَّانِيِّ، وَالزَّمَخْشَرِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْعِبَارَةِ، يَدُسُّ الْبِدَعَ فِي كَلَامِهِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَنَحْوِهِ، حَتَّى إِنَّهُ يَرُوجُ عَلَى خَلْقِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ كَثِيرٌ مِنْ تَفَاسِيرِهِمُ الْبَاطِلَةِ. وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ، وَأَسْلَمُ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَلَوْ ذَكَرَ كَلَامَ السَّلَفِ الْمَأْثُورِ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ التَّفَاسِيرِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا، ثُمَّ إِنَّهُ يَدَعُ مَا يَنْقُلُهُ عَنِ السَّلَفِ، وَيَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِمْ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُمْ بِطُرُقٍ مَنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى السُّنَّةِ مَنِ الْمُعْتَزِلَةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةَ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ تَفْسِيرٌ، وَجَاءَ قَوْمٌ فَسَّرُوا الْآيَةَ بِقَوْلٍ آخَرَ لِأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوهُ، وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، صَارَ مُشَارِكًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي مِثْلِ هَذَا. وَفِي الْجُمْلَة: مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ، بَلْ مُبْتَدِعًا; لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ، كَمَا أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ. وَأَمَّا الَّذِينَ أَخْطَئُوا فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُول: فَمِثْلُ كَثِيرٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ وَالْوُعَّاظِ وَالْفُقَهَاءِ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِمَعَانٍ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِهَا، لَكِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، مِثْلَ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ السُّلَمِيُّ فِي الْحَقَائِقِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مَعَانٍ بَاطِلَةٌ دَخَلَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَةَ مُلَخَّصًا، وَهُوَ نَفِيسٌ جِدًّا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي البُّرْهَان: لِلنَّاظِرِ فِي الْقُرْآنِ لِطَلَبِ التَّفْسِيرِ مَآخِذُ كَثِيرَةٌ: أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: النَّقْلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الطِّرَازُ الْمُعَلِّمُ، لَكِنْ يَجِبُ الْحَذِرُ مِنَ الضَّعِيفِ مِنْهُ وَالْمَوْضُوعِ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ; وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: ثَلَاثُ كُتُبٍ لَا أَصْلَ لَهَا: الْمَغَازِي وَالْمَلَاحِمُ وَالتَّفْسِيرُ. قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِه: مُرَادُهُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَسَانِيدُ صِحَاحٌ مُتَّصِلَةٌ، وَإِلَّا فَقَدَ صَحَّ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ، كَتَفْسِيرِ الظُّلْمِ بِالشِّرْكِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْحِسَابِ الْيَسِيرِ بِالْعَرْضِ، وَالْقُوَّةِ بِالرَّمْيِ فِي قَوْلِه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الْأَنْفَال: 60]. قُلْتُ: الَّذِي صَحَّ فِي ذَلِكَ قَلِيلٌ جِدًّا، بَلْ أَصْلُ الْمَرْفُوعِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ، وَسَأَسْرُدُهَا كُلَّهَا آخِرَ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّانِي: الْأَخْذُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيّ: فَإِنَّ تَفْسِيرَهُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَة: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَيْهِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لَا الرَّأْيِ. قُلْتُ: مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ نَازَعَهُ فِيهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا فِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَاكِمَ نَفْسَهُ صَرَّحَ بِهِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فَقَالَ: وَمِنَ الْمَوْقُوفَاتِ تَفْسِيرُ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ تَفْسِيرَ الصَّحَابَةِ مُسْنَدٌ فَإِنَّمَا يَقُولُ فِيمَا فِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ، فَقَدْ خَصَّصَ هُنَا وَعَمَّمَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَاعْتَمَدَ الْأَوَّلَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَ ابْنُ عُقَيْلٍ الْمَنْعَ، وَحَكَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ، لَكِنَّ عَمَلَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى خِلَافِهِ، فَقَدْ حَكَوْا فِي كُتُبِهِمْ أَقْوَالَهُمْ; لِأَنَّ غَالِبَهَا تَلَقَّوْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَرُبَّمَا يُحْكَى عَنْهُمْ عِبَارَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْفَاظِ، فَيَظُنُّ مَنْ لَا فَهْمَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مُحَقَّقٌ، فَيَحْكِيهِ أَقْوَالًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَكَرَ مَعْنًى مِنَ الْآيَةِ، لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ عِنْدَهُ، أَوْ أَلْيَقَ بِحَالِ السَّائِلِ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ يُخْبِرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ وَنَظِيرِهِ، وَالْآخَرُ بِمَقْصُودِهِ وَثَمَرَتِهِ، وَالْكُلُّ يُئَوِّلُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ غَالِبًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ فَالْمُتَأَخِّرُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ إِنِ اسْتَوَيَا فِي الصِّحَّةِ عَنْهُ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ الْمُقَدَّمُ. الثَّالِثُ: الْأَخْذُ بِمُطْلَقِ اللُّغَة: فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ; وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ; لَكِنْ نَقَلَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ، يُمَثِّلُ لَهُ الرَّجُلُ بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي فَقِيلَ ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: الْكَرَاهَةُ تُحْمَلُ عَلَى صَرْفِ الْآيَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَى مَعَانٍ خَارِجَةٍ مُحْتَمَلَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْقَلِيلُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يُوجَدُ غَالِبًا إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَنَحْوِهِ، وَيَكُونُ الْمُتَبَادِرُ خِلَافَهَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: لَا أَوُتَى بِرَجُلٍ غَيْرِ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ يُفَسِّرُ كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا. الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ بِالْمُقْتَضَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَبِ مِنْ قُوَّةِ الشَّرْع: وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ حَيْثُ قَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» وَالَّذِي عَنَاهُ عَلِيٌّ بِقَوْلِه: إِلَّا فَهْمًا يُؤْتَاهُ الرَّجُلُ فِي الْقُرْآنِ. وَمِنْ هُنَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَأَخَذَ كُلٌّ بِرَأْيِهِ عَلَى مُنْتَهَى نَظَرِهِ. وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاء: 36]. وَقَالَ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَة: 169]. وَقَالَ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْل: 44]. فَأَضَافَ الْبَيَانَ إِلَيْهِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّل: هَذَا- إِنْ صَحَّ- فَإِنَّمَا أَرَادَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- الرَّأْيَ الَّذِي يَغْلِبُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِي يَسْنِدُهُ بُرْهَانٌ فَالْقَوْلُ بِهِ جَائِزٌ. وَقَالَ فِي الْمَدْخَل: فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظِهِ إِلَى أَهْلِ اللُّغَةِ، وَفِي مَعْرِفَةِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَسَبَبِ نُزُولِهِ وَمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى بَيَانِهِ إِلَى أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا تَنْزِيلَهُ، وَأَدَّوْا إِلَيْنَا مِنَ السُّنَنِ مَا يَكُونُ بَيَانًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النَّحْل: 44]. فَمَا وَرَدَ بَيَانُهُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَفِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ فِكْرَةٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَمَا لَمْ يَرِدْ عَنْهُ بَيَانُهُ فَفِيهِ حِينَئِذٍ فِكْرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُ، لِيَسْتَدِلُّوا بِمَا وَرَدَ بَيَانُهُ عَلَى مَا لَمْ يَرِدْ. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَالَ فِيهِ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِأُصُولِ الْعِلْمِ وَفُرُوعِهِ، فَيَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ إِنْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرَ مَحْمُودَةٍ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ حَمَلَ بَعْضُ الْمُتَوَرِّعَةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَامْتَنَعَ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مَعَانِي الْقُرْآنِ بِاجْتِهَادِهِ وَلَوْ صَحِبَهَا الشَّوَاهِدُ وَلَمْ يُعَارِضْ شَوَاهِدَهَا نَصٌّ صَرِيحٌ، وَهَذَا عُدُولٌ عَمَّا تُعُبِّدْنَا بِمَعْرِفَتِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النِّسَاء: 83]. وَلَوْ صَحَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَمْ يَعْلَمْ شَيْءٌ بِالِاسْتِنْبَاطِ، وَلَمَا فَهِمَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى سِوَى لَفْظِهِ وَأَصَابَ الْحَقَّ، فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، وَإِصَابَتُهُ اتِّفَاقٌ إِذِ الْغَرَضُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ لَا شَاهِدَ لَهُ. وَفِي الْحَدِيث: «الْقُرْآنُ ذَلُولٌ ذُو وُجُوهٍ فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ» أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَقَوْلُهُ: ذَلُولٌ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْن: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُطِيعٌ لِحَامِلِيهِ تَنْطِقُ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَعَانِيهِ حَتَّى لَا تُقَصِّرَ عَنْهُ أَفْهَامُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَقَوْلُهُ: ذُو وُجُوهٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْن: أَحَدُهُمَا أَنَّ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا فِي التَّأْوِيلِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ وُجُوهًا مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ. وَقَوْلُهُ: فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْن: أَحَدُهُمَا الْحَمْلُ عَلَى أَحْسَنِ مَعَانِيهِ. وَالثَّانِي: أَحْسَنُ مَا فِيهِ مِنَ الْعَزَائِمِ دُونَ الرُّخَصِ، وَالْعَفْوِ دُونَ الِانْتِقَامِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو اللَّيْث: النَّهْيُ إِنَّمَا انْصَرَفَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ لَا إِلَى جَمِيعِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 7]. لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ فَلَوْ لَمْ يَجِبِ التَّفْسِيرُ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ بَالِغَةً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ لِمَنْ عَرَفَ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَأَسْبَابِ النُّزُولِ أَنْ يُفَسِّرَهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا سَمِعَ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ، وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ التَّفْسِيرَ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنَ الْآيَةَ حُكْمًا أَوْ دَلِيلُ الْحُكْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَلَوْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ فِيهِ شَيْئًا فَلَا يَحِلُّ، وَهُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّل: حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ مَعْنِيٌّ بِهِ الْهَوَى. فَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يُوَافِقُ هَوَاهُ- فَلَمْ يَأْخُذْهُ عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ- وَأَصَابَ فَقَدَ أَخْطَأَ لِحُكْمِهِ عَلَى الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ وَلَا يَقِفُ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَالنَّقْلِ فِيهِ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: لَهُ مَعْنَيَان: أَحَدُهُمَا: مَنْ قَالَ فِي مُشْكَلِ الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَعْرِفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَوَائِلِ- مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ- فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِسُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْآخَرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ: مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ وَالْكَوَاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا: التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِلْآيَاتِ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنًى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ. غَيْرُ مَحْظُورٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالتَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التَّوْبَة: 41]. قِيلَ: شَبَابًا وَشُيُوخًا وَقِيلَ: أَغْنِيَاءُ وَفُقَرَاءُ وَقِيلَ: عُزَّابًا وَمُتَأَهِّلِينَ وَقِيلَ: نُشَّاطًا وَغَيْرَ نُشَّاطٍ. وَقِيلَ: أَصِحَّاءَ وَمَرْضَى، وَكُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُهُ. وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْمُخَالِفُ لِلْآيَاتِ لِلْآيَةِ وَالشَّرْعِ فَمَحْظُورٌ; لِأَنَّهُ تَأْوِيلُ الْجَاهِلِينَ مِثْلَ تَأْوِيلِ الرَّوَافِضِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرَّحْمَن: 19]. أَنَّهُمَا عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرَّحْمَن: 22]. يَعْنِي: الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآن: هَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ الْخَوْضُ فِيهِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَاطَى تَفْسِيرَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدِيبًا مُتَّسِعًا فِي مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ لِمَنْ كَانَ جَامِعًا لِلْعُلُومِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إِلَيْهَا، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ عِلْمًا. أَحَدُهَا: اللُّغَةُ لِأَنَّ بِهَا يُعْرَفُ شَرْحُ مُفْرَدَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ. قَالَ مْجَاهِدٌ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِلُغَاتِ الْعَرَبِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي فِي حَقِّهِ مَعْرِفَةُ الْيَسِيرِ مِنْهَا فَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْمُرَادُ الْآخَرُ. الثَّانِي: النَّحْوُ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِعْرَابِ فَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِهِ. أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ يَلْتَمِسُ بِهَا حَسَنَ الْمَنْطِقِ وَيُقِيمُ بِهَا قِرَاءَتَهُ فَقَالَ: حَسَنٌ فَتَعَلَّمْهَا، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْرَأُ الْآيَةَ فَيَعْيَا بِوَجْهِهَا فَيَهْلِكُ فِيهَا. الثَّالِثُ: التَّصْرِيفُ لِأَنَّ بِهِ تُعْرَفُ الْأَبْنِيَةُ وَالصِّيَغُ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَمَنْ فَاتَهُ عِلْمُهُ فَاتَهُ الْمُعْظَمُ لِأَنَّ (وَجَدَ) مَثَلًا كَلِمَةٌ مُبْهَمَةٌ فَإِذَا صَرَّفْنَاهَا اتَّضَحَتْ بِمَصَادِرِهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِمَامَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الْإِسْرَاء: 71]. جَمْعُ (أُمٍّ) وَأَنَّ النَّاسَ يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ أَوْجَبَهُ جَهْلُهُ بِالتَّصْرِيفِ فَإِنَّ أُمًّا لَا تُجْمَعُ عَلَى إِمَامٍ. الرَّابِعُ: الِاشْتِقَاقُ لِأَنَّ الِاسْمَ إِذَا كَانَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ مَادَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِمَا كَالْمَسِيحِ هَلْ هُوَ مِنَ السِّيَاحَةِ أَوِ الْمَسْحِ. الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ: الْمَعَانِي وَالْبَيَانُ وَالْبَدِيعُ: لِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِالْأَوَّلِ خَوَاصَّ تَرَاكِيبِ الْكَلَامِ مِنْ جِهَةِ إِفَادَتِهَا الْمَعْنَى، وَبِالثَّانِي خَوَاصَّهَا مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ وُضُوحِ الدَّلَالَةِ وَخَفَائِهَا، وَبِالثَّالِثِ وُجُوهَ تَحْسِينِ الْكَلَامِ، وَهَذِهِ الْعُلُومُ الثَّلَاثَةُ هِيَ عُلُومُ الْبَلَاغَةِ وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْمُفَسِّرِ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْإِعْجَازُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُ بِهَذِهِ الْعُلُومِ. وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ شَأْنَ الْإِعْجَازِ عَجِيبٌ يُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَاسْتِقَامَةِ الْوَزْنِ تُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهَا، وَكَالْمِلَاحَةِ وَلَا طَرِيقَ إِلَى تَحْصِيلِهِ لِغَيْرِ ذَوِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ إِلَّا التَّمَرُّنُ عَلَى عِلْمَيِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيد: اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْفَصِيحِ وَالْأَفْصَحِ، وَالرَّشِيقِ وَالْأَرْشَقِ مِنَ الْكَلَامِ أَمْرٌ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالذَّوْقِ، وَلَا يُمْكِنُ إِقَامَةُ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَتَيْن: إِحْدَاهُمَا بَيْضَاءُ مُشْرَبَةٌ بِحُمْرَةٍ، دَقِيقَةُ الشَّفَتَيْنِ، نَقِيَّةُ الثَّغْرِ، كَحْلَاءُ الْعَيْنَيْنِ، أَسِيلَةُ الْخَدِّ، دَقِيقَةُ الْأَنْفِ، مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ، وَالْأُخْرَى دُونَهَا فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْمَحَاسِنِ، لَكِنَّهَا أَحْلَى فِي الْعُيُونِ وَالْقُلُوبِ مِنْهَا، وَلَا يُدْرَى سَبَبُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ. نَعَمْ يَبْقَى الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصْفَيْن: أَنَّ حُسْنَ الْوُجُوهِ وَمَلَاحَتَهَا، وَتَفْضِيلَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ يُدْرِكُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ. وَأَمَّا الْكَلَامُ فَلَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالذَّوْقِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ اشْتَغَلَ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالْفِقْهِ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الذَّوْقِ وَمِمَّنْ يَصْلُحُ لِانْتِقَادِ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا أَهْلُ الذَّوْقِ هُمُ الَّذِينَ اشْتَغَلُوا بِعِلْمِ الْبَيَانِ، وَرَاضَوْا أَنْفُسَهُمْ بِالرَّسَائِلِ وَالْخُطَبِ وَالْكِتَابَةِ وَالشِّعْرِ، وَصَارَتْ لَهُمْ بِذَلِكَ دِرَايَةٌ وَمَلَكَةٌ تَامَّةٌ، فَإِلَى أُولَئِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ فِي مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ، وَفَضْلِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ حَقِّ مُفَسِّرِ كِتَابِ اللَّهِ الْبَاهِرِ وَكَلَامِهِ الْمُعْجِزِ أَنْ يَتَعَاهَدَ بَقَاءَ النَّظْمِ عَلَى حُسْنِهِ، وَالْبَلَاغَةِ عَلَى كَمَالِهَا، وَمَا وَقَعَ بِهِ التَّحَدِّي سَلِيمًا مِنَ الْقَادِحِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْرِفَةُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بِأَوْضَاعِهَا هِيَ عُمْدَةُ التَّفْسِيرِ الْمُطَّلِعِ عَلَى عَجَائِبِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ قَاعِدَةُ الْفَصَاحَةِ وَوَاسِطَةُ عِقْدِ الْبَلَاغَةِ. الثَّامِنُ: عِلْمُ الْقِرَاءَات: لِأَنَّهُ بِهِ يُعْرَفُ كَيْفِيَّةُ النُّطْقِ بِالْقُرْآنِ، وَبِالْقِرَاءَاتِ يَتَرَجَّحُ بَعْضُ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ عَلَى بَعْضٍ. التَّاسِعُ: أُصُولُ الدِّينِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ بِظَاهِرِهَا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالْأُصُولِيُّ يُئَوِّلُ ذَلِكَ، وَيَسْتَدِلُّ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ وَمَا يَجِبُ وَمَا يَجُوزُ. الْعَاشِرُ: أُصُولُ الْفِقْه: إِذْ بِهِ يُعْرَفُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالِاسْتِنْبَاطِ. الْحَادِي عَشَرَ: أَسْبَابُ النُّزُولِ وَالْقَصَص: إِذْ بِسَبَبِ النُّزُولِ يُعْرَفُ مَعْنَى الْآيَةِ الْمُنَزَّلَةِ فِيهِ بِحَسَبِ مَا أُنْزِلَتْ فِيهِ. الثَّانِي عَشَرَ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لِيُعْلَمَ الْمُحْكَمُ مِنْ غَيْرِهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: الْفِقْهُ. الرَّابِعَ عَشَرَ: الْأَحَادِيثُ الْمُبَيِّنَةُ لِتَفْسِيرِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبْهَمِ. الْخَامِسَ عَشَرَ: عِلْمُ الْمَوْهِبَة: وَهُوَ عِلْمٌ يُوَرِّثُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِحَدِيث: «مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: وَعُلُومُ الْقُرْآنِ وَمَا يَسْتَنْبِطُهُ مِنْهُ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ. قَالَ: فَهَذِهِ الْعُلُومُ الَّتِي هِيَ كَالْآلَةِ لِلْمُفَسِّرِ لَا يَكُونُ مُفَسِّرًا إِلَّا بِتَحْصِيلِهَا فَمَنْ فَسَّرَ بِدُونِهَا كَانَ مُفَسِّرًا بِالرَّأْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِذَا فَسَّرَ مَعَ حُصُولِهَا لَمْ يَكُنْ مُفَسِّرًا بِالرَّأْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. قَالَ: وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ كَانَ عِنْدَهُمْ عُلُومُ الْعَرَبِيَّةِ بِالطَّبْعِ لَا بِالِاكْتِسَابِ، وَاسْتَفَادُوا الْعُلُومَ الْأُخْرَى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَلَعَلَّكَ تَسْتَشْكِلُ عِلْمَ الْمَوْهِبَةِ وَتَقُولُ: هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُ مِنَ الْإِشْكَالِ، وَالطَّرِيقُ فِي تَحْصِيلِهِ ارْتِكَابُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ وَالزُّهْدِ. قَالَ فِي البُّرْهَان: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلنَّاظِرِ فَهْمُ مَعَانِي الْوَحْيِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَسْرَارُهُ، مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ وَفِي قَلْبِهِ بِدْعَةٌ أَوْ كِبْرٌ أَوْ هَوًى أَوْ حُبُّ الدُّنْيَا، أَوْ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَنْبٍ، أَوْ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بِالْإِيمَانِ، أَوْ ضَعِيفُ التَّحْقِيقِ، أَوْ يَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِ مُفَسِّرٍ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ، أَوْ رَاجَعٌ إِلَى مَعْقُولِهِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا حُجُبٌ وَمَوَانِعُ بَعْضُهَا آكَدُ مِنْ بَعْضٍ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الْأَعْرَاف: 14]. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: يَقُولُ أَنْزِعُ عَنْهُمْ فَهْمَ الْقُرْآنِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: التَّفْسِيرُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: وَجْهٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا، وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ تَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ رَوَاهُ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بِلَفْظ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ، وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَاذِبٌ» قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي البُّرْهَانِ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا تَقْسِيمٌ صَحِيحٌ. فَأَمَّا الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ التَّفْسِيرُ... فَهُوَ الَّذِي يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى لِسَانِهِمْ، وَذَلِكَ اللُّغَةُ وَالْإِعْرَابُ. فَأَمَّا اللُّغَةُ فَعَلَى الْمُفَسِّرِ مَعْرِفَةُ مَعَانِيهَا وَمُسَمَّيَاتِ أَسْمَائِهَا، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَارِئَ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَتَضَمَّنُهُ أَلْفَاظُهَا يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ، كَفَى فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْبَيْتِ وَالْبَيْتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الْعِلْمَ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَفِيضَ ذَلِكَ اللَّفْظُ، وَتَكْثُرَ شَوَاهِدُهُ مِنَ الشِّعْرِ. وَأَمَّا الْإِعْرَابُ فَمَا كَانَ اخْتِلَافُهُ مُحِيلًا لِلْمَعْنَى وَجَبَ عَلَى الْمُفَسِّرِ وَالْقَارِئِ تَعَلُّمُهُ، لِيَتَوَصَّلَ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ، وَيَسْلَمَ الْقَارِئُ مِنَ اللَّحْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيلًا لِلْمَعْنَى وَجَبَ تَعَلُّمُهُ عَلَى الْقَارِئِ لِيَسْلَمَ مِنَ اللَّحْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُفَسِّرِ لِوُصُولِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ. وَأَمَّا مَا لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهْلِهِ التَّفْسِيرُ الَّذِي... فَهُوَ مَا تَتَبَادَرُ الْأَفْهَامُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ مِنَ النُّصُوصِ الْمُتَضَمِّنَةِ شَرَائِعَ الْأَحْكَامِ وَدَلَائِلَ التَّوْحِيدِ، وَكُلُّ لَفْظٍ أَفَادَ مَعْنًى وَاحِدًا جَلِيًّا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى، فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَلْتَبِسُ تَأْوِيلُهُ، إِذْ كَلُّ أَحَدٍ يُدْرِكُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [مُحَمَّدٍ: 19]. وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ (لَا) مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِلنَّفْيِ وَ(إِلَّا) لِلْإِثْبَاتِ، وَأَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْحَصْرُ، وَيَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [الْبَقَرَة: 43]. وَنَحْوَهُ طَلَبُ إِيجَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صِيغَةَ (افْعَلْ) لِلْوُجُوبِ، فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ يَدَّعِي الْجَهْلَ بِمَعَانِي أَلْفَاظِهِ، لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ. وَأَمَّا مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى التَّفْسِيرُ الَّذِي... فَهُوَ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْغُيُوبِ نَحْوَ الْآيِ الْمُتَضَمِّنَةِ قِيَامَ السَّاعَةِ وَتَفْسِيرَ الرُّوحِ، وَالْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ وَكُلَّ مُتَشَابِهٍ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ، فَلَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي تَفْسِيرِهِ، وَلَا طَرِيقَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ، بِنَصٍّ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ أَوْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى تَأْوِيلِهِ. وَأَمَّا مَا يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ وَيَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ التَّفْسِيرُ الَّذِي... فَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ التَّأْوِيلِ وَذَلِكَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ، وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ، وَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ، وَعَلَيْهِمُ اعْتِمَادَ الشَّوَاهِدِ وَالدَّلَائِلِ دُونَ مُجَرَّدِ الرَّأْيِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ أَظْهَرَ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْخَفِيُّ، وَإِنِ اسْتَوَيَا وَالِاسْتِعْمَالُ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ لَكِنْ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ وَفِي الْآخَرِ شَرْعِيَّةٌ، فَالْحَمْلُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا فِي: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التَّوْبَة: 103]. وَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا عُرْفِيَّةً وَالْآخَرِ لُغَوِيَّةً فَالْحَمْلُ عَلَى الْعُرْفِيَّةِ أَوْلَى، وَإِنِ اتَّفَقَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنْ تَنَافَى اجْتِمَاعُهُمَا، وَلَمْ يُمْكِنْ إِرَادَتُهُمَا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ اجْتَهَدَ فِي الْمُرَادِ مِنْهُمَا بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، فَمَا ظَنَّهُ فَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَيَأْخُذُ بِالْأَغْلَظِ حُكْمًا، أَوْ بِالْأَخَفِّ؟ أَقْوَالٌ. وَإِنْ لَمْ يَتَنَافَيَا وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْإِعْجَازِ وَالْفَصَاحَةِ، إِلَّا إِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ أَحَدِهِمَا. إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَيُنَزَّلُ حَدِيثُ: «مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ» عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَة: أَحَدُهُمَا تَفْسِيرُ اللَّفْظِ لِاحْتِيَاجِ الْمُفَسِّرِ لَهُ إِلَى التَّبَحُّرِ فِي مَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ. وَالثَّانِي حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ لِاحْتِيَاجِ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ، وَالتَّبَحُّرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ. وَمِنَ الْأُصُولِ مَا يُدْرَكُ بِهِ حُدُودُ الْأَشْيَاءِ، وَصِيَغُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ، وَالْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ، وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ، وَالْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ، وَالظَّاهِرُ وَالْمُئَوَّلُ، وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ، وَالصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ. وَمِنَ الْفُرُوعِ مَا يُدْرَكُ بِهِ الِاسْتِنْبَاطُ. وَهَذَا أَقَلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: يَحْتَمِلُ كَذَا وَلَا يَجْزِمُ إِلَّا فِي حُكْمٍ اضْطُرَّ إِلَى الْفَتْوَى بِهِ، فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ فَيَجْزِمُ مَعَ تَجْوِيزِ خِلَافِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيب: جُمْلَةُ مَا تَحَصَّلَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ قَالَ فِيهِ ابْنُ النَّقِيبِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهُمَا: التَّفْسِيرُ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْعُلُومِ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا التَّفْسِيرُ. الثَّانِي: تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. وَالثَّالِثُ: التَّفْسِيرُ الْمُقَرِّرُ لِلْمَذْهَبِ الْفَاسِدِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَذْهَبُ أَصْلًا وَالتَّفْسِيرُ تَابِعًا، فَيَرُدُّ إِلَيْهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا. الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ بِأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ كَذَا عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. الْخَامِسُ: التَّفْسِيرُ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالْهَوَى. ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ عُلُومَ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: عِلْمٌ لَمْ يُطْلِعِ اللَّهُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ مِنْ عُلُومِ أَسْرَارِ كِتَابِهِ، مِنْ مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَاتِهِ وَغُيُوبِهِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْكَلَامُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِجْمَاعًا. الثَّانِي: مَا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ مِنْ أَسْرَارِ الْكِتَابِ وَاخْتَصَّهُ بِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهِ إِلَّا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ. قَالَ: وَأَوَائِلُ السُّوَرِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، وَقِيلَ: مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. الثَّالِثُ: عُلُومٌ عَلَّمَهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ مِمَّا أَوْدَعَ كِتَابَهُ مِنَ الْمَعَانِي الْجَلِيَّةِ وَالْخَفِيَّةِ وَأَمَرَهُ بِتَعْلِيمِهَا، وَهَذَا يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْن: مِنْهُ مَا لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهِ إِلَّا بِطَرِيقِ السَّمْعِ فِي التَّفْسِير: وَهُوَ أَسْبَابُ النُّزُولِ، وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَالْقِرَاءَاتُ، وَاللُّغَاتُ، وَقِصَصُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَأَخْبَارُ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَأُمُورُ الْحَشْرِ وَالْمَعَادِ. وَمِنْهُ مَا يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِخْرَاجِ مِنَ الْأَلْفَاظ: وَهُوَ قِسْمَان: قِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ جواز تفسيره: وَهُوَ تَأْوِيلُ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الصِّفَاتِ. وَقِسْمٌ اتَّفَقُوا على جواز تفسير عَلَيْه: وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ وَالْإِعْرَابِيَّةِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْأَقْيِسَةِ، وَكَذَلِكَ فُنُونُ الْبَلَاغَةِ وَضُرُوبُ الْمَوَاعِظِ وَالْحِكَمِ وَالْإِرْشَادَاتِ لَا يَمْتَنِعُ اسْتِنْبَاطُهَا مِنْهُ، وَاسْتِخْرَاجُهَا لِمَنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ عَاصَرْنَاهُ إِلَى أَنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ مُضْطَرٌّ إِلَى النَّقْلِ فِي فَهْمِ مَعَانِي تَرْكِيبِهِ بِالْإِسْنَادِ إِلَى مُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَضْرَابِهِمْ، وَأَنَّ فَهْمَ الْآيَاتِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ ذَلِكَ: الْحَقُّ أَنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّقْل: كَسَبَبِ النُّزُولِ، وَالنَّسْخِ، وَتَعْيِينِ الْمُبْهَمِ، وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلِ، وَمِنْهُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ وَيَكْفِي فِي تَحْصِيلِهِ الثِّقَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ. قَالَ: وَكَأَنَّ السَّبَبَ فِي اصْطِلَاحِ كَثِيرٍ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْمُسْتَنْبَطِ، لِيُحِيلَ عَلَى الِاعْتِمَادِ فِي الْمَنْقُولِ وَعَلَى النَّظَرِ فِي الْمُسْتَنْبَطِ. قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قِسْمَانِ مِنْ جِهَةِ تَفْسِيرِه: قَسَمٌ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ بِالنَّقْلِ وَقِسْمٌ لَمْ يَرِدْ. وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَرِدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابَةِ أَوْ رُءُوسِ التَّابِعِينَ. فَالْأَوَّلُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ صِحَّةِ السَّنَدِ، وَالثَّانِي يُنْظَرُ فِي تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ، فَإِنْ فَسَّرَهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ فَهِمَ أَهْلُ اللِّسَانِ فَلَا شَكَّ فِي اعْتِمَادِهِمْ، أَوْ بِمَا شَاهَدَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْقَرَائِنِ فَلَا شَكَّ فِيهِ. وَحِينَئِذٍ إِنْ تَعَارَضَتْ أَقْوَالُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَة: فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَذَاكَ، وَإِنَّ تَعَذَّرَ قُدِّمَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ». وَقَدْ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ، لِحَدِيث: «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» وَأَمَّا مَا وَرَّدَ عَنِ التَّابِعِينَ: فَحَيْثُ جَازَ الِاعْتِمَادُ فِيمَا سَبَقَ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَإِلَّا وَجَبَ الِاجْتِهَادُ. وَأَمَّا مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ فَهُوَ قَلِيلٌ، وَطَرِيقُ التَّوَصُّلِ إِلَى فَهْمِهِ النَّظَرُ إِلَى مُفْرَدَاتِ الْأَلْفَاظِ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَمَدْلُولَاتِهَا، وَاسْتِعْمَالِهَا بِحَسَبِ السِّيَاقِ، وَهَذَا يَعْتَنِي بِهِ الرَّاغِبُ كَثِيرًا فِي كِتَابِ الْمُفْرَدَاتِ فَيَذْكُرُ قَيْدًا زَائِدًا عَلَى أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ اقْتَضَاهُ السِّيَاقُ. انْتَهَى. قُلْتُ: وَقَدْ جَمَعْتُ كِتَابًا مُسْنَدًا فِيهِ تَفَاسِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ، فِيهِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ مَا بَيْنَ مَرْفُوعٍ وَمَوْقُوفٍ، وَقَدْ تَمَّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ وَسَمَّيْتُهُ: تَرْجُمَانَ الْقُرْآنِ وَرَأَيْتُ وَأَنَا فِي أَثْنَاءِ تَصْنِيفِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ تَحْتَوِي عَلَى بِشَارَةٍ حَسَنَةٍ.
مِنَ الْمُهِمِّ مَعْرِفَةُ التَّفَاسِيرِ الْوَارِدَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ بِحَسَبِ قِرَاءَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَرِدُ عَنْهُمْ تَفْسِيرَانِ فِي الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ مُخْتَلِفَانِ، فَيُظَنُّ اخْتِلَافًا وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ، وَإِنَّمَا كُلُّ تَفْسِيرٍ عَلَى قِرَاءَةٍ، وَقَدْ تَعَرَّضَ السَّلَفُ لِذَلِكَ. فَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [الْحِجْر: 15]. مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ {سُكِّرَتْ} بِمَعْنَى سُدَّتْ وَمِنْ طُرُقٍ أَنَّهَا بِمَعْنَى أُخِذَتْ. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَنْ قَرَأَ سُكِّرَتْ مُشَدِّدَةً، فَإِنَّمَا يَعْنِي سُدَّتْ، وَمَنْ قَرَأَ: سُكِرَتْ مُخَفَّفَةً، فَإِنَّهُ يَعْنِي سُحِرَتْ، وَهَذَا الْجَمْعُ مِنْ قَتَادَةَ نَفِيسٌ بَدِيعٌ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إِبْرَاهِيمَ: 50]. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ الَّذِي تَهْنَأُ بِهِ الْإِبِلُ. وَأَخْرَجَ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِه: أَنَّهُ النُّحَاسُ الْمُذَابُ، وَلَيْسَا بِقَوْلَيْنِ. وَإِنَّمَا الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِقِرَاءَةِ مَنْ (قَطْرٍ آنٍ) بِتَنْوِينٍ قَطْرٍ وَهُوَ النُّحَاسُ وَ(آنٍ) شَدِيدِ الْحَرِّ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَكَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَأَمْثِلَةُ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرَةٌ، وَالْكَافِلُ بِبَيَانِهَا كِتَابُنَا أَسْرَارُ التَّنْزِيلِ وَقَدْ خَرَّجْتُ عَلَى هَذَا قَدِيمًا الِاخْتِلَافَ الْوَارِدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ آيَة: {أَوْ لَامَسْتُمُ} [النِّسَاء: 43]. هَلْ هُوَ الْجِمَاعُ أَوِ الْجَسُّ بِالْيَدِ. فَالْأَوَّلُ تَفْسِيرٌ لِقِرَاءَةِ {لَامَسْتُمُ}. وَالثَّانِي لِقِرَاءَةِ (لَمَسْتُمْ) وَلَا اخْتِلَافَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيّ: لَا يَحِلُّ تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ إِلَّا بِسُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ خَبَرٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. هَذَا نَصُّهُ.
وَأَمَّا فِي كَلَامِ الصُّوفِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ فَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيه: وَجَدْتُ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْوَاحِدِيِّ الْمُفَسِّرِ، أَنَّهُ قَالَ: صَنَّفَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ حَقَائِقَ التَّفْسِيرِ فَإِنْ كَانَ قَدِ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيرٌ فَقَدْ كَفَرَ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاح: وَأَنَا أَقُولُ: الظَّنُّ بِمَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْهُمْ- إِذَا قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ- أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ تَفْسِيرًا، وَلَا ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ الشَّرْحِ لِلْكَلِمَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانُوا قَدْ سَلَكُوا مَسْلَكَ الْبَاطِنِيَّةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُمْ لِنَظِيرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ النَّظِيرَ يُذْكَرُ بِالنَّظِيرِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيَا لَيْتَهُمْ لَمْ يَتَسَاهَلُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيهَامِ وَالْإِلْبَاسِ. وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي عَقَائِدِه: النُّصُوصُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَالْعُدُولُ عَنْهَا إِلَى مَعَانٍ يَدَّعِيهَا أَهْلُ الْبَاطِنِ إِلْحَادٌ. قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِه: سُمِّيَتِ الْمَلَاحِدَةُ بَاطِنِيَّةً لِادِّعَائِهِمْ أَنَّ النُّصُوصَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا، بَلْ لَهَا مَعَانٍ بَاطِنِيَّةٌ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْمُعَلِّمُ، وَقَصْدُهُمْ بِذَلِكَ نَفْيُ الشَّرِيعَةِ بِالْكُلِيَّةِ. قَالَ: وَأَمَّا مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ النُّصُوصَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فِيهَا إِشَارَاتٌ خَفِيَّةٌ إِلَى دَقَائِقَ تَنْكَشِفُ عَلَى أَرْبَابِ السُّلُوكِ، يُمْكِنُ التَّطْبِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظَّوَاهِرِ الْمُرَادَّةِ، فَهُوَ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَمَحْضِ الْعِرْفَانِ. وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سِرَاجُ الدِّينِ الْبَقْلِينِيُّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الْبَقَرَة: 255]. إِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ ذَلَّ أَيْ مِنَ الذُّلِّ. ذِي: إِشَارَةٌ إِلَى النَّفْسِ يَشْفِ، مِنَ الشِّفَاءِ جَوَابُ (مَنْ) ع: أَمُرُّ مِنَ الْوَعْيِ، فَأَفْتَى بِأَنَّهُ مُلْحِدٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فُصِّلَتْ: 40]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يَضَعَ الْكَلَامَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. فِإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ قَالَ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ آيَةٍ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، أوجه ذلك وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ». وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا: «الْقُرْآنُ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ يُحَاجُّ الْعِبَادَ». وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ مِنْهُ حَرْفٌ إِلَّا لَهُ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ. قُلْتُ: أَمَّا الظَّهْرُ وَالْبَطْنُ فَفِي مَعْنَاهُ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّكَ إِذَا بَحَثْتَ عَنْ بَاطِنِهَا وَقِسْتَهُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَقَفْتَ عَلَى مَعْنَاهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ، وَلَهَا قَوْمٌ سَيَعْمَلُونَ بِهَا، كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ ظَاهِرَهَا لَفْظُهَا، وَبَاطِنَهَا تَأْوِيلُهَا. الرَّابِعُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ أَشْبَهُهَا بِالصَّوَاب: إِنَّ الْقِصَصَ الَّتِي قَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَمَا عَاقَبَهُمْ بِهِ، ظَاهِرُهَا الْإِخْبَارُ بِهَلَاكِ الْأَوَّلِينَ، إِنَّمَا هُوَ حَدِيثٌ حَدَّثَ بِهِ عَنْ قَوْمِ، وَبَاطِنُهَا وَعْظُ الْآخَرِينَ، وَتَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا كَفِعْلِهِمْ، فَيَحِلُّ بِهِمْ مِثْلَ مَا حَلَّ بِهِمْ. وَحَكَى ابْنُ النَّقِيبِ قَوْلًا خَامِسًا: أَنَّ ظَهْرَهَا مَا ظَهَرَ مِنْ مَعَانِيهَا لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالظَّاهِرِ، وَبَطْنَهَا مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَسْرَارِ الَّتِي أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا أَرْبَابَ الْحَقَائِقِ. وَمَعْنَى قَوْلِه: وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ أَيْ: مُنْتَهًى فِيمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ مَعْنَاهُ. وَقِيلَ: لِكُلِّ حُكْمٍ مِقْدَارٌ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَمَعْنَى قَوْلِه: وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ. لِكُلِّ غَامِضٍ مِنَ الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ مَطْلَعٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَيُوقَفُ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ. وَقِيلَ: كُلُّ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ الْمُجَازَاةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الظَّاهِرُ التِّلَاوَةُ، وَالْبَاطِنُ الْفَهْمُ، وَالْحَدُّ أَحْكَامُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْمَطْلَعُ الْإِشْرَافُ عَلَى الْوَعْدِ الْوَعِيدِ. قُلْتُ: يُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ ذُو شُجُونٍ وَفُنُونٍ، وَظُهُورٍ وَبُطُونٍ، لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا تُبْلَغُ غَايَتُهُ، فَمَنْ أَوْغَلَ فِيهِ بِرِفْقٍ نَجَا، وَمَنْ أَوْغَلَ فِيهِ بِعُنْفٍ هَوَى. أَخْبَارٌ وَأَمْثَالٌ، وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، وَظَهْرٌ وَبَطْنٌ، فَظَهْرُهُ التِّلَاوَةُ، وَبَطْنُهُ التَّأْوِيلُ، فَجَالِسُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَجَانِبُوا بِهِ السُّفَهَاءَ. وَقَالَ ابْنُ سَبُعٍ فِي شِفَاءِ الصُّدُور: وَرَدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَفْقُهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فَلْيُثَوِّرَ الْقُرْآنَ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تَفْسِيرِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاء: لِكُلِّ آيَةٍ سِتُّونَ أَلْفَ فَهْمٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَهْمَ مَعَانِي الْقُرْآنِ مَجَالًا رُحْبًا، وَمُتَّسَعًا بَالِغًا، وَأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ ظَاهِرِ التَّفْسِيرِ، لَيْسَ يَنْتَهِي الْإِدْرَاكُ فِيهِ بِالنَّقْلِ، وَالسَّمَاعَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ التَّفْسِيرِ لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ الْفَهْمُ وَالِاسْتِنْبَاطُ، وَلَا يَجُوزُ التَّهَاوُنُ فِي حِفْظِ التَّفْسِيرِ الظَّاهِرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوَّلًا، إِذْ لَا يَطْمَعُ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْبَاطِنِ قَبْلَ إِحْكَامِ الظَّاهِرِ، وَمَنِ ادَّعَى فَهْمَ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَحْكُمِ التَّفْسِيرَ الظَّاهِرَ فَهُوَ كَمَنِ ادَّعَى الْبُلُوغَ إِلَى صَدْرِ الْبَيْتِ، قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْبَابَ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ لَطَائِفِ الْمِنِن: اعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ لِكَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ بِالْمَعَانِي الْعَرَبِيَّةِ لَيْسَ إِحَالَةً لِلظَّاهِرِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةَ مَفْهُومٌ مِنْهُ مَا جَلَبَتِ الْآيَةَ لَهُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ، وَثَمَّ أَفْهَامٌ بَاطِنَةٌ تُفْهَمُ عِنْدَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ، لِمَنْ فَتَحَ اللَّهُ قَلْبَهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث: «لِكُلِّ آيَةٍ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ» فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْ تَلَقِّي هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْهُمْ وَأَنْ يَقُولَ لَكَ ذُو جَدَلٍ وَمُعَارِضَةٍ: هَذَا إِحَالَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِحَالَةٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إِحَالَةً لَوْ قَالُوا: لَا مَعْنَى لِلْآيَةِ إِلَّا هَذَا، وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ، بَلْ يَقْرَءُونَ الظَّوَاهِرَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا مُرَادًا بِهَا مَوْضُوعَاتُهَا، وَيَفْهَمُونَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَفْهَمَهُمْ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَجِبُ عَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يَتَحَرَّى فِي التَّفْسِيرِ مُطَابَقَةَ الْمُفَسَّرِ، وَأَنْ يَتَحَرَّزَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْصٍ عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي إِيضَاحِ الْمَعْنَى، أَوْ زِيَادَةٍ لَا تَلِيقُ بِالْغَرَضِ، وَمِنْ كَوْنِ الْمُفَسِّرِ فِيهِ زَيْغٌ عَنِ الْمَعْنَى، وَعُدُولٌ عَنْ طَرِيقِهِ. وَعَلَيْهِ بِمُرَاعَاةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَمُرَاعَاةِ التَّأْلِيفِ، وَالْغَرَضِ الَّذِي سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ، وَأَنْ يُؤَاخِيَ بَيْنَ الْمُفْرَدَاتِ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَاءَةُ بِالْعُلُومِ اللَّفْظِيَّةِ، وَأَوَّلُ مَا يَجِبُ الْبَدَاءَةُ بِهِ مِنْهَا تَحْقِيقُ الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ فَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، ثُمَّ التَّصْرِيفِ، ثُمَّ الِاشْتِقَاقِ، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ التَّرْكِيبِ، فَيَبْدَأُ بِالْإِعْرَابِ، ثُمَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي، ثُمَّ الْبَيَانِ، ثُمَّ الْبَدِيعِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ، ثُمَّ الِاسْتِنْبَاطَ، ثُمَّ الْإِشَارَةَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي أَوَائِلِ الْبُرْهَان: قَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يَبْدَءُوا بِذِكْرِ سَبَبِ النُّزُولِ، وَوَقَعَ الْبَحْثُ فِي أَنَّهُ أَيُّمَا أَوْلَى بِالْبَدَاءَةِ بِه: بِتَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ، أَوْ بِالْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّهَا الْمُصَحِّحَةُ لِنَظْمِ الْكَلَامِ، وَهِيَ سَابِقَةٌ عَلَى النُّزُولِ. قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْمُنَاسِبَةِ مُتَوَقِّفًا عَلَى سَبَبِ النُّزُولِ، كَآيَة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 58]. فَهَذَا يَنْبَغِي فِيهِ تَقْدِيمُ ذِكْرِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْمُنَاسَبَةِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: جَرَتْ عَادَةُ الْمُفَسِّرِينَ مِمَّنْ ذَكَرَ فَضَائِلَ الْقُرْآنِ أَنْ يَذْكُرَهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، لِمَا فِيهَا مِنَ التَّرْغِيبِ وَالْحَثِّ عَلَى حِفْظِهَا، إِلَّا الزَّمَخْشَرِيَّ فَإِنَّهُ يَذْكُرُهَا فِي أَوَاخِرِهَا. قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عُمَرَ الْكِرْمَانِيُّ: سَأَلْتُ الزَّمَخْشَرِيَّ عَنِ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَاتٌ لَهَا، وَالصِّفَةُ تَسْتَدْعِي تَقْدِيمَ الْمَوْصُوفِ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ التَّفْسِير: حَكَى اللَّهُ كَذَا فَيَنْبَغِي تَجَنُّبُهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو النَّصْرِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الْمُرْشِد: قَالَ مُعْظَمُ أَئِمَّتُنَا: لَا يُقَالُ كَلَامُ اللَّهِ يُحْكَى، وَلَا يُقَالَ: (حَكَى اللَّهُ) لِأَنَّ الْحِكَايَةَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ الشَّيْءِ، وَلَيْسَ لِكَلَامِهِ مِثْلٌ. وَتَسَاهَلَ قَوْمٌ فَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْحِكَايَةِ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ إِطْلَاقُ الزَّائِدِ عَلَى بَعْضِ الْحُرُوفِ، وَقَدْ مَرَّ فِي نَوْعِ الْإِعْرَابِ. وَعَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يَتَجَنَّبَ ادِّعَاءَ التَّكْرَارِ مَا أَمْكَنَهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: مِمَّا يَدْفَعُ تَوَهُّمَ التَّكْرَارِ فِي عَطْفِ الْمُتَرَادِفَيْنِ نَحْوَ: {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ} [الْمُدَّثِّر: 28]. {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [الْبَقَرَة: 157]. وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْمُتَرَادِفَيْنِ يُحَصِّلُ مَعْنًى لَا يُوجَدُ عِنْدَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ يُحْدِثُ مَعْنًى زَائِدًا، وَإِذَا كَانَتْ كَثْرَةُ الْحُرُوفِ تُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَعْنَى، فَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الْأَلْفَاظِ. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي البُّرْهَان: لِيَكُنْ مَحَطَّ نَظَرِ الْمُفَسِّرِ مُرَاعَاةُ نَظْمِ الْكَلَامِ الَّذِي سِيقَ لَهُ وَإِنْ خَالَفَ أَصْلَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لِثُبُوتِ التَّجَوُّزِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَلَى الْمُفَسِّرِ مُرَاعَاةَ مَجَازِيَّ الِاسْتِعْمَالَاتِ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَظُنُّ بِهَا التَّرَادُفُ، وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّرَادُفِ مَا أَمْكَنَ، فَإِنَّ لِلتَّرْكِيبِ مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى الْإِفْرَادِ، وَلِهَذَا مَنَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، وُقُوعَ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَوْقِعَ الْآخَرِ فِي التَّرْكِيبِ، وَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ فِي الْإِفْرَادِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: كَثِيرًا مَا يَشْحَنُ الْمُفَسِّرُونَ تَفَاسِيرَهُمْ عِنْدَ ذِكْرِ الْإِعْرَابِ بِعِلَلِ النَّحْوِ وَدَلَائِلِ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَدَلَائِلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَدَلَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي تَآلِيفِ هَذِهِ الْعُلُومِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مُسَلَّمًا فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ دُونَ اسْتِدْلَالٍ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا: ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَأَحَادِيثَ فِي الْفَضَائِلِ، وَحِكَايَاتٍ لَا تُنَاسِبُ، وَتَوَارِيخَ إِسْرَائِيلِيَّةٍ، وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أُوَقِّرَ سَبْعِينَ بَعِيرًا مِنْ تَفْسِيرِ أُمِّ الْقُرْآنِ لَفَعَلْتُ فَضْلُ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يَحْتَاجُ تَبْيِينُ مَعْنَى الْحَمْدِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْمُ الْجَلِيلُ الَّذِي هُوَ اللَّهُ، وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ التَّنْزِيهِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الْعَالَمِ وَكَيْفِيَّتِهِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَأَعْدَادِهِ، وَهِيَ أَلْفُ عَالَمٍ: أَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ، وَسِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الِاسْمَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ وَمَا يَلِيقُ بِهِمَا مِنَ الْجَلَالِ وَمَا مَعْنَاهُمَا، ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا. فَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَوَاطِنِ وَالْأَهْوَالِ وَكَيْفِيَّةِ مُسْتَقَّرِهِ. فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ الْمَعْبُودِ مِنْ جَلَالَتِهِ وَالْعِبَادَةِ، وَكَيْفِيَّتِهَا وَصِفَتِهَا وَأَدَائِهَا عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، وَالْعَابِدِ فِي صِفَتِهِ، وَالِاسْتِعَانِةِ وَأَدَائِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا. فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ مَا هِيَ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمُ وَأَضْدَادِهِ، وَتَبْيِينِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ وَصِفَاتِهِمْ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا النَّوْعِ، وَتَبْيِينِ الْمَرْضِيِّ عَنْهُمْ وَصِفَاتِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ، فَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ يَكُونُ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
أَلَّفَ فِيهِ مَحْمُودُ بْنُ حَمْزَةَ الْكِرْمَانِيُّ كِتَابًا فِي مُجَلَّدَيْنِ، سَمَّاهُ الْعَجَائِبَ وَالْغَرَائِبَ ضَمَّنَهُ أَقْوَالًا ذُكِرَتْ فِي مَعَانِي الْآيَاتِ مُنْكَرَةً، لَا يَحِلُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا، وَلَا ذِكْرُهَا إِلَّا لِلتَّحْذِيرِ مِنْهَا. مِنْ ذَلِكَ مَنْ قَالَ فِي: {حم عسق} إِنَّ الْحَاءَ حَرْبُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَالْمِيمَ وِلَايَةُ الْمَرْوَانِيَّةِ، وَالْعَيْنَ وِلَايَةُ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَالسِّينَ وِلَايَةُ السُّفْيَانِيَّةِ، وَالْقَافَ قُدْوَةُ مَهْدِيٍّ. حَكَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ. ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِيمَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ حَمْقَى. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي: {الم} مَعْنَى أَلِفٍ: أَلِفَ اللَّهُ مُحَمَّدًا فَبَعَثَهُ نَبِيًّا، وَمَعْنَى لَامٍ: لَامَهُ الْجَاحِدُونَ وَأَنْكَرُوهُ، وَمَعْنَى مِيمٍ: مِيمُ الْجَاحِدُونَ الْمُنْكِرُونَ، مِنَ الْمُومِ وَهُوَ الْبِرْسَامُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [الْبَقَرَة: 179]. إِنَّهُ قَصَصُ الْقُرْآنِ، وَاسْتَدَلَّ بِقِرَاءَةِ أَبِي الْجَوْزَاء: (وَلَكُمْ فِي الْقَصَصِ) وَهُوَ بَعِيدٌ، بَلْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَفَادَتْ مَعْنًى غَيْرَ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فُورَكٍ فِي تَفْسِيرِهِ فِي قَوْلِه: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [الْبَقَرَة: 260]. إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ لَهُ صَدِيقٌ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ قَلْبُهُ أَيْ: لِيَسْكُنَ هَذَا الصَّدِيقُ إِلَى هَذِهِ الْمُشَاهَدَةِ إِذَا رَآهَا عِيَانًا. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَهَذَا بِعِيدٌ جِدًّا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [الْبَقَرَة: 286]. إِنَّهُ الْحُبُّ وَالْعِشْقُ وَقَدْ حَكَاهُ الْكَوَاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الْفَلَق: 3]. إِنَّهُ الذَّكَرُ إِذَا انْتَصَبَ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي مُعَاذٍ النَّحْوِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ} يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ {نَارًا} أَيْ: نُورًا وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: 80]. تَقْتَبِسُونَ الدِّينَ.
|